تغيير قيمة العملة العراقية ... المنافع والتكاليف

2019-07-04

تغيير قيمة العملة العراقية ... المنافع والتكاليف

ندوة اقامها قسم الدراسات الاقتصادية


تغيير قيمة العملة العراقية ... المنافع والتكاليف



     في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الخميس الموافق 4/7/2019 وبحضور عدد من الأساتذة الباحثين والأكاديميين والخبراء أقام قسم الدراسات الاقتصادية في بيت الحكمة ندوة بعنوان " تغيير قيمة العملة... المنافع والتكاليف " برئاسة الاستاذ الدكتور فلاح حسن ثويني ، ومشاركة كل من د. مظهر محمد صالح – المستشار الاقتصادي في مجلس الوزراء . الاستاذ الدكتور محمود محمد داغر مدير عام دائرة العمليات المالية وإدارة الدين في البنك المركزي العراقي.
الورقة الأولى: " تخفيض سعر الصرف .. التكاليف والمنافع " للدكتور مظهر محمد صالح.
     استهل الدكتور صالح حديثه بإعطاء لمحة تاريخية عن سعر صرف الدينار العراقي ، موضحاً الاسباب التي أدت الى ظهور السوق الموازي للعملة منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي . وقد عزى ذلك الى العجز الكبير في فائض العمليات أيام الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق ، وإلى قوى السوق المضاربة على سعر الدينار . وقد أشار في معرض حديثة إلى أن هذه المرحلة انتهت مع تبني السياسة النقدية لنافذة العملة مما أدى إلى غياب السوق الموازي وخفض مستوى التضخم . وعلى نحو عام ،في البلدان المتنوعة الانتاج وذات الاتجاه التصديري export oriented  إن التخفيض في قيمة العملة اي تخفيض سعر الصرف بسبب مصاعب ميزان المدفوعات يؤدي الى تحقيق مزايا تنافسية تعظم من قيمة الصادرات وتقلل من تدفق الاستيرادات .أما في الاقتصاديات الاحادية الجانب والمصدرة حصرياً للمواد الخام الرئيسة كالنفط او النحاس او غيرهما ،حيث تعتمد تلك الاقتصادات على الاستيرادا ت  لتنويع عرضها السلعي ،ولاسيما السلع الضعيفة المرونة على وجه الخصوص ستتضخم اسعارها حالاً وبصورة مباشرة بسبب انخفاض سعر الصرف يرافق ذلك ارتفاع في التوقعات التضخمية (بسبب تدهور القيمة الخارجية للنقود) وهذا يفرض اعباءً اجتماعية واقتصادية ملحة على السياسة المالية تستدعي بموجبه دعماً في الاسعار ينعكس بصورة تزايد في تكاليف الموازنة العامة ولاسيما كلفة المواد الغذائية والادوية والمواد الاولية والاساسية الحاكمة .
    أما بالنسبة للإجابة عن التساؤل الذي يدور حول المنافع التي ستجنيها السياسة المالية في العراق؟ فقد شخص الدكتور مظهر التفاوتات في المنافع والتكاليف المالية على النحو الآتي:
1-    طالما أن عوائد التصدير من المواد الخام كالنفط او غيره من المواد الاولية الاحادية هي ذات صفة سيادية في الغالب فإنها تؤدي بسبب تخفيض قيمة العملة إلى رفد موازنة الدولة بعوائد ناجمة عن التضخم الجديد، وأن العجز في الموازنة سيعالج نفسه. أي تحقيق ايرادات عن طريق التمويل الاضافي التضخمي للموازنة. بعبارة أخرى ان ثمة منافع مالية اضافية ستتحقق من خلال العوائد الناجمة عن انخفاض سعر صرف العملة المحلية ازاء العوائد الأجنبية، والحصول على تدققات نقدية بالعملة المحلية تذهب لمصلحة الموازنة وتسمى ايرادات تحويلية  transfer revenues .  وهي بذلك تعادل فرق الهبوط بسعر الصرف.
٢-وبالرغم من ذلك فإن هذه الميزة في العوائد التضخمية ستبقى ميزة جزئية في مصلحة السياسة المالية .فالسياسة النقدية واجراءاتها في معالجة عجز ميزان المدفوعات بتخفيض سعر الصرف لا تعفي في الوقت نفسه السياسة المالية من تحمل كلف اضافية تتولاها ادارة الموازنة العامة للدولة من خلال وضع تخصيصات اضافية تحوطية اساسية تعادل مقدار انخفاض سعر الصرف نفسه لتعويض الكلفة التي سترتفع في قيمة المعاملات الحكومية الخارجية والتي ستتاثر سلباً بتخفيض سعر صرف العملة المحلية إزاء العملة الاجنبية .ومثال ذلك الاستيرادات الحكومية كافة او قيمة الالتزامات الحكومة تجاه العالم الخارجي ( كخدمات الديون وتسديد الالتزامات والمستحقات والمتأخرات وغيرها).فضلاً عن ارتفاع كلفة المشتريات الحكومية الداخلية التي ستتاثر بالتضخم الناجم عن انخفاض القيمة الخارجية للنقود أي انخفاض سعر صرف العملة المحلية وارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية والوسيطة المستوردة في الاسواق المحلية التي تمثل المشتريات الحكومية. وأن هذا التعويض للأعباء المالية الحكومية جراء الآثار النقدية السالبة للسياسة النقدية ستزيد من تكاليف السياسة المالية او اعباء الموازنة الحكومية بشكل عام . فعلى سبيل المثال ومن خلال ما يسمى بحساب تحليل الكلفة-منفعة ( cost-benefit)  فإن تخفيضاً في سعر الصرف بنسبة ١٠٪‏ على سبيل المثال سيحدث تضخماً في أسعار السلع والخدمات والاجور ربما يبلغ ١٠٪‏ او اكثر .ويعكس بذلك ارتفاعاً تصاعدياً مستمراً في المستوى العام للأسعار تدفع به عادة ديناميكيات التوقعات التضخمية التي ستصيب كلفة المخزونات والالتزامات التعاقدية كافة.

 ٣-و بالرغم من انتفاع الموازنة جزئياً من منفعة تخفيض قيمة العملة بسبب ارتفاع قيمة عوائدها الدولارية وقدرتها على استبدالها بدينار رخيص تعتاش منه الموازنة اسمياً في سد عجزها كضريبة تضخمية تجبى على حساب مستوى المعيشة ،إلا أن ذلك الانتفاع ( كعوائد جديدة للموازنة) قد لا يتعدى في الاحوال كافة نسبة هي بالغالب اقل من ٥٠٪‏ من كلفة عملية التخفيض . ما يعني ان نتائج التخفيض على حصيلة الموازنة ستظل جزئية في هكذا اقتصادات وقد لا تقارن إن جاز التعبير (بضريبة ) الاضطرابات السعرية او انفلات الاسعار.
   وقد اختتم الدكتور مظهر حديثه قائلاً " في اقتصاديات البلدان المصدرة للمواد الخام فإن نتائج التخفيض لا تنعكس اطلاقاً على تحسين الطلب الخارجي على الصادرات سواء من النفط او المواد الخام لكون اسعار تلك البضائع الخام تتحدد في السوق العالمية وحسب ما يسمى بنظام السعر الواحد one price system".
الورقة الثانية: " تغيير قيمة العملة العراقية .. المنافع والتكليف " للأستاذ الدكتور محمود محمد داغر.
بدأ الدكتور داغر حديثه مبيناً مكامن الخطورة في تخفيض العملة وأهم الآثار التي تنجم عن هكذا إجراء وهي كالآتي:
-إعادة النظر في التوازنات الكلية جميعًا (النقدية، والحقيقية).
-التخفيض ضريبة ضمنية موحدة Flat & implicit tax لا تراعي تباين الدخول للمواطن.
-إنَّ عدم تحقيق متطلبات سابقةPrerequests   (جمارك، ضرائب) يفضي إلى استنزاف تأثير التخفيض.
-إنَّ التضخم المرافق(حتمًا) للتخفيض سيشعل التوقعات والضغوط باتجاه استمرار قرارات تخفيض لاحقة.
ومن ثم، والكلام لداغر، يجب علينا الاعتراف بالآتي:
1-    ضآلة تأثير تخفيض قيمة الدينار على الاستيرادات مادامت البدائل المحلية شبه معدومة وسينحصر الأثر في صعوبة حصول ذوي الدخول المنخفضة على بعض السلع الكمالية والتي يمكن معالجتها بتفعيل الضريبة الجمركية فحسب ،أما الصادرات فلا يتوقع البتة تحفيزها كونها نفطية.
2-    إنَّ نجاح سياسة التخفيض يتوقف عمليًا على مرونة استجابة الطلب على الدولار لانخفاض الدينار، ولكل اقتصاد مرونته تبعًا لبدائل الطلب بشكل أساس. وتشير إحدى الدراسات إلى أنَّ مرونة الطلب على الدولار لتغير سعره أقل من (1) بكثير وهي لا تتجاوز ( 0.2 %). وهو أمرٌ منطقي ينسجم مع هشاشة القطاع الحقيقي وضعف البدائل المحلية من السلع والخدمات.علماً إنَّ هدف زيادة إيرادات الموازنة غير النفطية الذي تسعى إليه مقترحات التخفيض لن يتحقق بسبب الآتي:
أ‌-    إنَ التخفيض هو مجرد زيادة عدد وحدات الدنانير لكل دولار دون تحقيق إيرادات غير نفطية فعلية وأنَّ الموازنة ستواجه ارتفاعاً في التضخم يستنزف زيادة الكمية في الدنانير جراء التخفيض(المشتريات العامة+ الاستثمار) وعاجلًا ستظهر مطالبات بتخفيض إضافي. ومن هنا إنَّ الارتكاز على مقدرة قرار التخفيض في المرور السهل لاحتمالية تحقق الوهم النقدي، وتغطية عجز الموازنة غير مؤكد لأنَّ الضريبة الضمنية وتداعياتها التضخمية ستكتشف بسرعة وسرعان ما تخبو هذه النتائج.  .
ب‌-    إن سعر الصرف في الدول الريعية يبنى على أساس طلب العملة الأجنبية (عرض العملة المحلية)، فضلًا عن أنَّ قوة العملة المحلية في هذه الدول تتأتى من قوتها المالية وليس الاقتصادية، إذ إنَّ كل الدول الريعية لديها أسعار صرف عالية القيمة بسبب ما متاح لهم من قوة في الوضع المالي وإن كان الوضع الاقتصادي ضعيفًا بسبب تركزGDP في القطاع الريعي. بخلاف الدول التي لديها تنويعًا اقتصاديًا يُمكنها من بناء أسعار صرف عملاتها في ضوء قوة وتنوع اقتصاداتها. وهكذا عندما يقيم سعر صرف عملة محلية بأعلى من قيمتها الحقيقية مقارنة بعملة مقبولة بالتداول العالمي  (الدولار مثلا) فان البنك المركزي في ذلك البلد عليه هدر الكثير من النقد الأجنبي للحفاظ على تلك القيمة غير الحقيقية (وهمية) .
     وخلال حديثه عرض الدكتور داغر عدد من المؤشرات المطمئنة حول عمل البنك المركزي:
فقد بلغ إجمالي الاحتياطيات الأجنبية   64.96 مليار دولار ويتوقع أن يرتفع إلى 70 مليار عام 2019  ، ومتوسط شهري  متاح للاستيرادات يبلغ 4.5 مليار دولار أما  الديون الخارجية القصيرة الأجل فقد بلغت 2.5 مليار دولار ، وبلغ عرض النقود الواسع ما يقرب من 77 مليار دولار وذلك حسب نشرة البنك المركزي الخاصة بنهاية عام 2018 .
    وخلص الدكتور داغر إلى إنَّ حجم الاحتياطيات الأجنبية للمركزي العراقي ومعايير كفايتها تفوق ما محدد من معايير كفاية دولية، الأمر الذي يدعم القدرة على الدفاع عن سعر صرف الدينار العراقي لمدة أطول في ظروف صعبة، مما يوفر فرصة لبناء سياسات في الاقتصاد الحقيقي والتي بدونها لا ينفع أي إجراء نقدي أو مالي. وإنَّ اللجوء إلى تخفيض قيمة العملة المحلية قبل إنجاز تحسين أداء الضرائب، الجمارك، جباية الكهرباء والماء ومجابهة التجاوز على الدومين العام، سيفضي حتماً إلى استنزاف أثر التخفيض وانتقال المنافع لجهات أُخرى. وإنَّ الزراعة والصناعة المحلية المستهدفة بالتخفيض مرتبط تحفيزها بالمنافسة العادلة، بسبب ضعف الحماية الجمركية الأدنى وتسرب السلع إلى السوق العراقي بطريقة الإغراق، لذلكَّ فإن الانتقال إلى تخفيض قيمة العملة وعدَّه محفز للإنتاج أمر غير مضمون العواقب بقدر ما تضمنه الحماية الجمركية خلال ثلاث سنوات.

 

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر