التراث المادي في العراق بين الواقع ومكنات التدويل

2020-02-20

التراث المادي في العراق بين الواقع ومكنات التدويل

ندوة اقامها قسم الدراسات القانونية


 التراث المادي في العراق _ بين الواقع ومكنات التدويل
آثار بابل انموذجاً


        عقد قسم الدراسات القانونية في بيت الحكمة ندوة علمية تحت عنوان ( التراث المادي في العراق _ بين الواقع ومكنات التدويل) آثار بابل انموذجاً في الساعة العاشرة من يوم الخميس الموافق 20/2/2020 وعلى قاعة بيت الحكمة برئاسة أ.د. حنان محمد القيسي ( المشرفة على قسم الدراسات القانونية). وبمقررية الدكتور وائل منذر البياتي التدريسي في كلية التربية الاساسية الجامعة المستنصرية ، وبحضور عدد كبير من الباحثين والمختصين والمهتمين بالموضوع، وطلبة الدراسات العليا، وقد افتتحت الجلسة، بالترحيب بالحضور وتثمين تعاونهم وتفاعلهم مع النشاطات التي يقيمها بيت الحكمة، ثم بعدها قامت رئيس الجلسة بتقديم عرض موجز عن مجمل نشاطات بيت الحكمة للعام الحالي، وسعيه الدؤوب لان تكون هذه النشاطات وكعادتها في صلب متطلبات المجتمع واهتماماته ليكون للدراسات والاوراق البحثية اثر هام على واقعنا تصحيحاً وتصويباً، ثم بينت النواحي الاجتماعية والاقتصادية للآثار العراقية ودورها الكبير في تكريس تاريخ العراق الضارب في عمق التاريخ والمحافظة عليها من أثر هام على الصعيد الاقتصادي والعلمي، واهمية التراث المادي خصوصاً مع التطور الحالي في المجتمع الدولي، وبيان وجوب تفعيل النصوص القانونية التي تعمل للحفاظ على هذه الآثار والاجراءات الواجب اتخاذها لغرض اضفاء الصفة الدولية على آثار العراق وتعريف العالم باصالتها ودور اليونسكو في حماية التراث المادي، خصوصاً مع ما تعرضت له من اساءة في الاستخدام والانتهاكات التي ارتكبت ضدها خصوصاً من قبل تنظيم داعش الارهابي، ثم اعطي الدور للباحثين لغرض طرح افكارهم وما توصلوا اليه في ابحاثهم واوراقهم البحثية.
     ابتدأ الدكتور عباس عبد منديل ( الخبير الآثاري عن الهيأة العامة للآثار والتراث دائرة المتاحف العامة ) . ورقته البحثية بتقديم التحية والشكر للحضور وللقائمين على بيت الحكمة، وتسليط الضوء على موضوع حيوي، وخصوصاً ان التراث الرافديني قد تعرض منذ منتصف القرن السادس عشر او اقدم الى هجمات عدة سواء من الرحالة او الاكتشافات الآثارية وجامعي التحف بغرض الربح المادي، يضاف الى ذلك قلة الوعي لدى اغلب افراد المجتمع والتي ساهمت في ايصال المستكشفين وجامعي التحف الآثارية الى اماكن وتلال آثارية عديدة.
     وبين الباحث أن الآثار تنقسم الى قسمين آثار مادية تنقسم بدورها الى منقولة وغير منقولة، وهي التي تدخل في حماية اليونسكو وآثار غير مادية كالتراث الشعبي، وبين ان الآثار المادية متى ما كانت ذات قيمة استثنائية وتمتاز بالاصالة والسلامة فانها تدخل ضمن التراث المادي العالمي، ومن ثم تحوز على الحماية باشكالها المختلفة من ( علمية وقانونية وادارية وامنية) .
     إذا ان الآثار تتعرض لتحديات مختلفة، منها العوامل البشرية، كالسرقات والتنقيب غير الرسمي او الجائر والتعديل غير الموافق للضوابط العلمية، اما العوامل الطبيعية فتتمثل بالزمن والتعرية بسبب الجو والامطار والسيول ، إذ أن اغلبية التراث المادي العراقي معرض لتهديد المياه الجوفية والتي تؤدي بشكل او بآخر الى تأكل الاثر واندثاره.
   وبين أن هناك حاجة اساسية لتفعيل العمل العلمي في الحفاظ على الآثار فضلا عنالعمل القانوني من خلال الاتفاقيات الدولية مع مراعاة الملاحظات المؤشرة عليها من جانب الخبراء الآثاريين وكذلك التشريعات الوطنية، وعمل قوائم حمراء لمنع التعامل مع جهات او اشخاص يستهدفون الربح المادي على حساب الآثار واهميتها الانسانية.
       ثم تلاه في تقديم ورقته البحثية الاستاذ المساعد الدكتور علي حميد مفتش عام وزارة الثقافة سابقاً والذي ابدى سعادته بالفرصة التي توفرت له للقاء الاخوة والاخوات من الاساتذة والزملاء الحضور إذ تكلم عن دور مكتب المفتش العام في المحافظة على الآثار من خلال عدة نقاط وهي كالاتي
-    تشخيص التجاوزات على الآثار العراقية .
1.    ازالة الابنية التراثية وتغيير معالمها
2.    تسوية وتعديل التلول الاثرية ومحرماتها وفتح قنوات اروائية لاغراض زراعية .
3.    تسوية وتعبيد الطرق وبناء مشيدات عشوائية.
4.    انشاء ثكنات عسكرية في مواقع آثارية.
5.    نبش المواقع لغرض السرقة .
6.    استخدام مواقع آثارية كمكب للنفايات.
-    المواقع التي حصلت عليها التجاوزات .
1.    الباب الوسطاني في بغداد وطاق كسرى .
2.    منطقة الحيرة والمدينة القديمة في النجف، تل عرب كمبت في كركوك، ومدينة سامراء ( الملوية والجامع الكبير)، واغلب مواقع محافظتي ديالى وكربلاء.
اما الجهات التي تقف وراء التجاوزات فهي في الغالب مواطنون عاديون واصحاب مصانع ومعامل فضلا عن العصابات المتخصصة بالآثار وبعض دوائر الدولة التي تقوم بانشاء بنى تحتية دون الرجوع الى دوائر الآثار.
اما المعالجات التي طرحتها دائرة المفتش العام فتتمثل في :-
1.    تكليف موظفين كفوئين في ادارة المفتشيات والمراقبيات لاداء واجباتهم.
2.    متابعة المناطق الآثارية ومعاقبة المتواطئين والمقصرين من موظفين وحراس واحالة المتجاوزين الى المحاكم.
3.    تسييج المواقع الآثارية والتراثية ومحرماتها ونشر حراس متخصصين.
4.    اجراء زيارات ميدانية مستمرة من قبل الادارات المختصة.
    ثم بينت رئيس الجلسة ان الآثار وفقاً للدستور هي من الاختصاصات الحصرية للدولة الاتحادية، وانها بحاجة الى الالتفات اليها بوصفها مناطق جذب سياحي وفي حال استثمارها بعد التخطيط والتوجية بالامكان بوصفها مصدراً مهماً للاقتصاد العراقي، يساهم في توفير الايرادات وكذلك تشغيل اليد العاملة.
   واعطي الدور الى كل من الاستاذ المساعد الدكتور سؤدد كاظم مهدي وبان حكمت عبد الكريم الباحثتين في مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية لتقديم ورقتهما البحثية المشتركة والموسومة ( تدمير الموروث الحضاري في العراق شواهد تاريخية سياسية وقانونية ) إذ بينت الجوانب التاريخية الدكتورة سؤدد كاظم والتي عرجت على تواريخ واحداث تعرضت من خلالها آثار العراق لهجمات متعددة اثرت عليها وهددت وجودها، وذلك بتقليب صفحات  التاريخ ومعرفة ما حصل من مؤثرات خارجية ودوافع متنوعة من اجل النيل من آثار العراق.
إذ بدأ بالغزو المغولي للعراق وأثره في تدمير الممتلكات الثقافية عندما رافق الغزو المغولي  فضائع تفوق الخيال على مدى (40) يوماً ، قتل فيها ما بين (800) ألف والمليون شخص وتدمير وحرق المراكز العلمية من زوايا ومكتبات، وعشرات المدارس وكان ابرزها المدرسة النظامية والمستنصرية ، فضلاً عن بيت الحكمة العباسي .  ثم تلته حروب الدولة العثمانية وتدخل الدول الاوربية في الشؤون الداخلية والتنافس الاوربي الاستعماري واثره في نقل الآثار العراقية الى المتاحف الاوربية من خلال البعثات الاثرية البريطانية والفرنسية والالمانية، ومن بعدها ما قام به الاحتلال البريطاني للعراق بعد اعلان الانتداب إذ كانت اداره ملف الآثار مخصصاً للبريطانيين ولم يقبل ان يشارك العراقيون فيه.  وكان ذلك من  أولويات الإدارة البريطانية للعراق وفي عام 1923 صدر قانون التنقيبات الآثارية وكان للسكرتيرة الشرقية البريطانية (المس بل) دوراً في كتابه مسوده نص القانون والمصادقة عليه . هذا علما ان المس بل كانت قد عملت في التنقيبات الأثرية في العراق قبل الحرب العالمية الاولى.   وكان الهدف من القانون اجراء المزيد من التقنيات وتقسيم ما يعثر عليه من آثار باعطاء المنقبين كميات كبيره من القطع الأثرية المهمة .
    وصولاً الى التاريخ المعاصر للعراق وحروب النظام السابق واثرها في تدمير الآثار العراقية. إذ آثارت  السياسة التي اتبعها النظام البائد انتقادات واسعه من مجتمع علماء الآثار الدولي ، وان ما قام به النظام من تعديل عليها ادي الى تشويهها. فضلا عن ما تعرضت له الآثار فترة التسعينات نبش متفاقم للمواقع الأثرية في المواقع السومرية في جنوب العراق من هو قبل لصوص الآثار من السكان المحليين وبالتعاون مع المهربين الدوليين كما شهد المتحف العراقي عام 1999 حاله من السرقات عندما اختفى من هو زوج من القراط عثر عليها في المقبرة الملكية في اور ويعود تاريخها الى عصر فجر السلالات.
اما الاحتلال الامريكي للعراق فقد تعرضت الآثار العراقية لعملية استئصال متعمدة ومنظمة وممنهجة في تدمير الآثار اجتماعياً وتاريخياً وثقافياً في واحدة من اكثر الغزوات الثقافية تدميراً واستبداداً وتدنيساً في التاريخ والهدف هو طمس معالم الدور الحضاري الذي لعبه العراق عبر التاريخ متناسيا كل الاتفاقيات المبرمة لحماية الممكنات الثقافية والدينية لعام 1954-1956 واتفاقية لاهاي المعدلة لعام 1999.
    اما الجانب القانوني فقد بينته الاستاذ المساعد الدكتور بان حكمت عبد الكريم إذ بعد تقديمها الشكر الى مؤسسة بيت الحكمة على اختيار الموضوع الحيوي فانها بدأت بالكلام عن الحماية القانونية بوصفها احدى اوجه الحماية للآثار، وبينت ان التشريعات العراقية قد استهدفت وقاية الآثار ومعالجة ما يترتب من الاعتداء عليها، بالجزاءات الجنائية المحددة قانونا وكذلك التدابير المتخذة للحماية إذ عاقب القانون الحائز الذي يتعمد او يهمل في المحافظة على الآثار وكذلك معاقبة السارق او من يعمد الى تخريبها او تشويهها وغيرها من الوسائل القانونية للحماية كما وبينت السبل الواجب اتباعها لصيانة الآثار من الاعتداء عليها من عدة وسائل مقترحة منها:-
-    عدم منح اجزاء الفخار المهشمة او المكسورة للآثاريين لمنع تعمدهم احداث هذا الضرر فيها للاستيلاء عليها.
-    رفع دعوى بحق القوات الامريكية لما تسببته من ضرر بحق الآثار العراقية.
-    التاكيد على مسألة كون الآثار اموال عامة قبل وبعد التنقيب عنها .
-    المصادقة على نظام روما الاساسي لغرض تحريك دعاوى دولية جنائية بحق الجرائم المرتكبة من قبل تنظيم داعش الارهابي بحق آثار العراق.
-    تحرك الحكومة العراقية على منظمة اليونسكو التي يمكن أن تمارس دوراً على الدول التي تحتفظ ببعض القطع الاثرية المسروقة من العراق.
-    تشجيع المواطنين الذين يحتفظون بالقطع الأثرية وتقديم لهم مبالغ مالية ودون التعرض الشخص الذي يقوم بتسليم الآثار الى تبعات قانونية.
-    توعية المواطن العراقي والتأكيد على العامل الوطني بان يكون له دور مهم في موضوع حماية تاريخ العراق والحفاظ على الآثار العراقية.
       واختتم الندوة الاستاذ المساعد الدكتور محمد عزت التدريسي في كلية الحقوق جامعة الموصل  بورقته المعنونة تعيين الاختصاص في تدويل التراث المادي وممارسته. إذ اثنى على علمية وواقعية عنوان الندوة ، وبين ان الكلام لا يتعلق بالعمر الافتراضي للمعلم المادي بقدر قيمته التاريخية، وربط بين القيمة العلمية والتاريخية للمعلم ودور دساتير الدول في التاكيد على اهمية الآثار عن طريق وضع هيئات مستقلة تتولى ادارتها وشؤونها كما هو الحال في دستور دولة الاكوادور بينما اكدت فنزولا في دستورها على المسؤولية التضامنية والسياسية والقانونية لنشر وحماية التراث الثقافي والتعريف به .
       دستورنا عدها ثروة وطنية وان ادارتها مشتركة بين المركز والاقليم .
وقد تكلم عن جهة الاختصاص الرسمي في تدويل التراث المادي، وبين أن أعلان حقوق الشعوب الاصلية قد اكد على وجوب موافقة هذه الشعوب على التدويل، لما لنظرة المجتمع المحلي وتاثره بتدويل الآثار من عدمها، وإذ إن التراث المادي مرتبط بالاجيال اللاحقة الخير العام للمجتمع فانه يدخل ضمن الاختصاصات الحصرية برسم السياسة الاقتصادية من قبل الحكومة المركزية وفقاً لاحكام المادة 110 من الدستور.
     اما جهة الاختصاص غير الرسمية في التدويل فبين ان لفت الانتباه والجذب السياحي يلعب دوراً اساسياً في تحقيق هذا الهدف، وتدخل في مقتضاه الادارة المرفقية طبقاً للمادة 113 من الدستور وكذلك الادارة المشتركة طبقاً للمادة 115 ، كما وتلعب الدبلوماسية دوراً مهاماً سواء كانت تنفيذية ام برلمانية.
   واختتم ببيان الآثار المترتبة على التدويل قادرة من الحصول على المساعدات المالية والقروض وكذلك الدعم الفني والتقني من الدول المختلفة، وكذلك الخبرات للحفاظ على الآثار بوصفها ذات طابع دولي .  
    وبعد ذلك فتح باب النقاش والتداخل من قبل رئيس الجلسة وإذ تداخل عدد من الحضور بآثارة موضوع العلاقة بين السلطات في الدولة الاتحادية في مجال ادارة الآثار ومدى دخولها في نطاق الصلاحيات الحصرية للدولة الاتحادية ام المشتركة بينها وبين الاقليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وما هو دور الجهات الرسمية في تدويل قضية الآثار العراقية للحصول على المميزات المترتبة على ذلك.  
    واختتمت الورشة بشكر الحاضرين على تفاعلهم والافكار التي تم عرضها سواء من الباحثين او المتداخلين معهم.  

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر