سلطنة عُمان في عهد جديد والعلاقات مع العراق

2020-11-25

سلطنة عُمان في عهد جديد والعلاقات مع العراق

حلقة نقاشية علمية اقامها قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية


سلطنة عمان في عهد جديد والعلاقات مع العراق


ضمن توجهات قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في بيت الحكمة ولتطوير العلاقات الثنائية بين سلطنة عمان والجمهورية العراقية أقام القسم حلقة نقاشية علمية بعنوان ( سلطنة عمان في عهد جديد والعلاقات مع العراق ) يوم الاربعاء الموافق 25/11/2020 في بيت الحكمة .
ترأس الجلسة الاستاذ الدكتور محمود علي الداود مشرف قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في بيت الحكمة وشارك فيها كلاً من :
-    السفير الاستاذ الدكتور محمد الحاج حمود / مستشار وزارة الخارجية
-    الاستاذ الدكتور عامر حسن فياض / عميد كلية العلوم السياسية جامعة النهرين
-    الاستاذ الدكتور مفيد الزيدي / مركز الدراسات الاستراتيجية جامعة بغداد
" العراق يرى في هذه الخطوة أنها تعبر عن حرص الأشقاء في عُمان على تعميق العلاقات الأخوية بين البلدين، والرغبة الجادة في تبادل التمثيل الدبلوماسي بما يحقق المصالح المشتركة، ويقوي أطر التواصل، والتعاون الثنائي". وأشار إلى أن "العراق يعتقد أن قرار السلطنة بإعادة افتتاح سفارة لها لدى بغداد يشير إلى تطور إيجابيٍّ في الحضور العربي، ويساهم في تعزيز العمل المشترك" .
وتشهد العلاقات بين العراق وسلطنة عُمان تطوراً ملحوظاً منذ سنوات، حيث يقول الطرفان إنهما يسعيان إلى "اتباع سياسة الحياد" من ملفات إقليمية مختلفة.
حضر الندوة السيد رئيس مجلس امناء بيت الحكمة والسفير احمد بن حامد سفير سلطنة عمان في بغداد وعدد من الاكاديميين والمهتمين بالشأن السياسي.

الورقة الافتتاحية للأستاذ الدكتور محمود علي الداود
مشرف قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في بيت الحكمة

سلطنة عُمان في عهد جديد والعلاقات مع العراق


المقدمة
إذا ألقينا نظرة على خارطة الوطن العربي، أو خارطة العالم الإسلامي عامة لرأينا أن الغالبية العظمى من هذه الأقطار تأن من ثقل المشاكل الداخلية والخارجية التي تعصف بها فالكثير منها تعاني من الصراعات والحروب الاهلية والتخلف. ويبدو ان النهضة العربية والإسلامية التي بدأت قبل أكثر من قرن قد بدأت تتلاشى شيئا فشيئا بفعل الحروب والتطرف وحالات التفكك والضياع التي تسود العالمين العربي والإسلامي. وقد ضاعت فرص عديدة لبناء دول عربية عصرية تحترم حقوق الانسان وتؤمن بالعدالة كما أضاعت دول كانت رائدة في الاستقلال الوطني والتقدم وتدريجياً اصبحت فكرة الدولة الموحدة لدى شعوبها مجرد خيال كما أصبحت معظم الأقطار العربية بيئة طاردة لمئات الألوف من الشباب والشابات الذين يتدفقون الى الدول الغربية في هجرة غير مسبوقة يسارعون الخطى الى المجهول.
من حسن الحظ إن اقطار عربية أخرى ظلت متماسكة بفضل وحدة شعوبها وقوة اعتزازها بتاريخها وتراثها بالإضافة الى حكمة قادتها وفي مقدمة هذه الدول سلطنة عُمان وذلك بفضل عراقة وتماسك شعبها وحكمة قائدها الراحل السلطان قابوس بن سعيد الذي نجح بتأسيس نظام سياسي قائم على أسس المساواة والعدالة وروح التسامح واحترام التراث. وقد أكد منذ بداية النهضة عام 1970 على ان الرغبة في بناء الدولة العصرية تأخذ بأساليب العلم والتقنية لم تجعل هذا البلد الأصيل يتنكر لتراثه العريق وأمجاده بل سعى دائماً الى مزج الحداثة بالأصالة .
عُمان الدولة الحديثة
منذ عام 970 بدأ السلطان قابوس مهمة صعبة وشاقة وهي البدء بتحويل سلطنة عُمان الى دولة عصرية ولم تكن هذه المهمة سهلة وقد أدرك منذ البداية أن الطريق الى هذا الهدف لابد من أن يبدأ بإصلاحات جذرية من الداخل، وتوحيد الصف، وخلق هوية عمانية موحدة يشعر العمانيون من خلالها بالمساواة في الفرص فأشاع روح المحبة والتسامح واحتضان كافة القوى المعارضة من اجل المساهمة معاً في بناء الدولة الحديثة وبدأ بالتعليم وبناء المؤسسات الحديثة ورفع شأن المرأة العمانية والقيام بإصلاحات اجتماعية واسعة ونجح السلطان قابوس ببناء المؤسسات الحديثة ابتداءً من صدور النظام السياسي للدولة عام  1996 الذي نص على قيام مجلس الدولة ومجلس الشورى وفتح المجال لتوسع التمثيل الشعبي في المجالس البلدية وحشد كافة الكفاءات لبناء الدولة الحديثة في اطار خطط خمسية جعلت التجربة العمانية في مجالات التنمية هي نموذج حي للتقدم في كافة مجالات الحياة وخصوصاً الاهتمام بالإنسان العماني الذي أثبت عبر التاريخ انه نشط ومبدع ساهم في تدعيم الاسلام منذ السنوات الاولى لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم واحسن مثل ذلك اسهامات عُمان بنقل الحضارة العربية والاسلام الى كافة اصقاع المحيط الهندي وقد أكتشف الملاحون والتجار العمانيون سواحل افريقيا قبل مئات السنين من وصول البرتغاليين والهولنديين والفرنسيين والانكليز اليها.
وفي إطار حركات التغيير التي اندلعت في معظم الأقطار العربية عام 2011 عالجت سلطنة عُمان آثار تلك الحركات بسلسلة من الاصلاحات الدستورية، والاجتماعية، والاقتصادية، واستجابت للمطاليب الشعبية وتحققه الانتقال بصورة سليمة وحكمة متناهية وبذلك اصبحت التجربة العمانية في هذه المرحلة المضطربة في الوطن العربي تجربة رائدة وناجحة وتتطابق مع النهج السلمي والحضاري العماني.

 السياسة الخارجية العمانية:
في إطار النجاح الكبير الذي حققته سلطنة عمان في السياسة الداخلية وبناء دولة مؤسسات عصرية وتنفيذ خطط تنموية طموحة واشاعة الاستقرار السياسي والاجتماعي كان لزاماً الاهتمام ببناء سياسة خارجية عُمانية مستندة الى الارث العُماني والدور التاريخي لعُمان والى متطلبات العصر الحديث مستغلة بشكل جيد الموقع الجيوستراتيجي لسلطنة عُمان ودورها الجديد في المنطقة والسياسة الدولية عامة.
وقد لعب هذا الموقع الجيوستراتيجي دوراً رئيسياً في تحديد توجهات السياسة الخارجية العمانية وخصوصاً وان مضيق هرمز هو الذي يتحكم بمرور 90 % من نفط منطقة الخليج ومنذ تولي السلطان قابوس الحكم عام 1970 حرصَ حكومة سلطنة عُمان على تحقيق اهداف السياسة الخارجية العمانية والتي تتلخص بضمان سيادة واستقلال السلطنة وضمان الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة واحترام ميثاق الأمم المتحدة والتأكيد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ورغم التزام سلطنة عمان بميثاق الجامعة العربية وانضمامها الى مجلس التعاون الخليجي إلا ان السلطنة احتفظت بمواقف متميزة ونأت بنفسها عن كافة الصراعات الداخلية العربية –العربية  والحروب الاقليمية وبدلاً من ذلك بادرت عُمان لان تلعب دور حمامة السلام والوساطة والحوار واصلاح ذات البين وهذا ما لاحظناه في مواقف السلطنة من الحروب والأزمات التي عصفت بالعراق وسوريا وليبيا واليمن. وقد انصبت اهتمامات السلطنة على تقريب وجهات النظر عن طريق الحوار والوساطة وبذلك اكتسبت الدبلوماسية العمانية احترام وتقدير كافة الدول العربية والاسلامية والعالم. وتمتلك السلطنة علاقات دبلوماسية نشطة مع الجامعة العربية والاتحاد الاوربي والأمم المتحدة كما تساهم الدبلوماسية العامة للسلطنة من خلال الاتصالات الثقافية والفنية والتراثية والرياضية حول العالم مساهمة فاعلة في هذا الاطار كما ان هذا النجاح الكبير الذي حققته الدبلوماسية العُمانية يعود ايضاً الى نجاح السلطنة ببناء جهاز دبلوماسي فاعل وتشكيل معهد دبلوماسي نجح في نقل رسالة السلطنة الى العالم ومن الجدير بالذكر ان هذا العمل الكبير لم يكن ليتحقق لولا الجهود الاستثنائية التي بذلتها السلطنة في مجالات التربية والتعليم والبحث العلمي وبناء كوادر متقدمة بفضل الخطط العلمية الطموحة لوزارة الخدمة المدنية .وقد قفزت سلطنة عُمان بفترة قياسية الى مصاف الدول المتقدمة مع الاحتفاظ بالتراث الحضاري الضخم الذي تملكه السلطنة جنباً الى جنب مع مشاريع الحداثة .
" لقد أثبت السياسة الخارجية العمانية أهمية عمان الإقليمية وقدرتها على حماية سيادتها واستقلال قرارها السياسي وعلى الوقوف في وجه أي محاولة لبسط النفوذ على المنطقة، كل هذا يعني ان عمان اهم من ان تغفل من حسابات الدول الأخرى ذات المصالح المتضاربة في المنطقة ".
العلاقات العراقية العمانية
في خضم الصراعات والاختلافات التي تشهدها المنطقة تبقى العلاقات العراقية –العُمانية قوية وثابته ويرجع اسباب ذلك الى حد كبير الى الارث الحضاري المشترك والاحترام المتبادل بين الشعبين والمستمر والذي ظل راسخاً عبر العصور.
ان العلاقات الاخوية القائمة بين العراق وسلطنة عُمان تقوم على اساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والعمل على تطوير المصالح المشتركة وحماية الأمن والسلم في منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية عامة. وفي كافة الازمات التي مر بها العراق في العقود الثلاثة الاخيرة كان موقف السلطنة يتصف بالتعاطف والتعاون كما ان العراق يقدر كل التقدير المواقف العمانية في المنطقة في إطار احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها والقائمة ايضاً على اساس المصالح المشتركة وتغليب الحوار والوساطة في حل المشاكل بين دول المنطقة من اجل ضمان مصالح الشعوب التي تعيش تحت ثقل الحروب والصراعات التي أنهكت الاقطار العربية وصادرت انجازاتها وهي اليوم تهدد مستقبلها.
وعندما اتحدث عن الجالية العراقية المهمة وسلطنة عُمان اشعر بالفخر للدور الكبير الذي تقوم به آلاف الكفاءات العلمية العراقية في الجامعات والمراكز العلمية والثقافية والمؤسسات الاقتصادية واتطلع الى ترصين العلاقات بين البلدين في كافة المجالات والتي هي اليوم في أفضل مراحلها. ان دور الجامعات ومراكز البحوث والمؤسسات الاجتماعية والتراثية والفنية من الممكن ان تلعب دوراً هاماً في هذا المجال وبالنسبة لمؤسسة بيت الحكمة فقد ساهم بشكل واسع في توطيد العلاقات العلمية والثقافية وكانت الندوة العلمية المتخصصة التي اقامها البيت بالتعاون مع مؤسسة عُمان للصحافة والنشر والاعلان في نهاية عام 2013 بعنوان (العلاقات العراقية – العُمانية –ماضياً وحاضراً ومستقبلاً) أحسن مثال على ذلك.
وفي الاخير اؤكد ان تجربة عُمان في بناء الوحدة العمانية وتجربتها في المقاربة بين التراث والحداثة وسياستها الخارجية الحكيمة جديرة بان تدرس من قبل كافة الجامعات والمراكز البحوث في المنطقة العربية للاستفادة منها في خطط التنمية وبناء العمل العربي المشترك على اسس علمية حديثة.
عهد جديد
عندما توفى السلطان قابوس في 10 كانون الثاني 2020 كان قد ترك دولة مستقلة ذات سيادة ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع أكثر من مائة وثلاثين دولة وأسست مدرسة جديدة في العلاقات الدولية المعاصرة مبنية على مبدأ واحد يذهب الى أن العالم يسير نحو التعاون المتعدد الأطراف وان الحوار هو المدخل الحقيقي لضمان المصالح. وبهد تولي السلطان هيثم بن طارق المسؤولية في اليوم التالي أي في 11 كانون الثاني 2020 وفي أول خطاب وجهه الى الامة أكد انه ماضي في نفس النهج ومصمم على دفع نهضة عمان المعاصرة الى مديات واسعة بفضل تراث وتاريخ شعبها العريق وتطلعاته المعاصرة. ونحن على ثقة ان العلاقات العمانية – العراقية في العهد الجديد ستمضي قدماً الى آفاق جديدة بفضل عوامل التاريخ والجغرافية والمصالح المشتركة.

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر