رفع الأصفار عن الدينار العراقي . أجراء شكلي أم حقيقي لخفض معدلات التضخم الاقتصاد العراقي

2021-10-24

رفع الأصفار عن الدينار العراقي . أجراء شكلي أم حقيقي لخفض معدلات التضخم الاقتصاد العراقي

ندوة علمية اقامها قسم الدراسات الاقتصادية


رفع الأصفار عن الدينار العراقي . أجراء شكلي أم حقيقي لخفض معدلات التضخم الاقتصاد العراقي

النشاط العلمي الذي عقد مساء يوم الاحد 24/10/2021 لقسم الدراسات الاقتصادية في بيت الحكمة،

المتحدثون
د. يوسف علي عبد الأسدي
د. نعيم صباح جراح
أدارة الجلسة
د. بلال كاظم الجوادي

ضمن فعاليات معرض البصرة الدولي للكتاب الذي أقامته مؤسسة المدى أقام قسم الدراسات الإقتصادية في بيت الحكمة ندوة علمية بعنوان (رفع الأصفار الثلاثة عن الدينار العراقي، إجراء شكلي أم حقيقي لخفض معدلات التضخم في الإقتصاد العراقي) وذلك في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الأحد الموافق 24/ 10/ 2021 على قاعة الندوات، وكانت الجلسة برئاسة الدكتور بلال كاظم الجوادي رئيس قسم الدراسات الإقتصادية وشارك فيها كل من:
أ. د. يوسف علي عبد الأسدي مساعد رئيس جامعة النفط والغاز- البصرة
أ. م. د. نعيم صباح جراح معاون عميد كلية الإدارة والإقتصاد- جامعة البصرة
في مقدمة الندوة تحدث رئيس الجلسة عن أهمية الموضوع مبينا الظروف التي أدت إلى زيادة الأصفار في العملة العراقية والتي أعقبت فرض الحصار الإقتصادي على العراق بسبب غزو الكويت عام 1990 ، وكيف أدى ذلك إلى تآكل قيمة الوحدة النقدية، وتضاؤل قيمة الفئات النقدية الأصغر وانعدام قدرتها على تغطية المعاملات والمبادلات المرتفعة القيمة النقدية في السوق. الأمر الذي اقتضى إصدار فئات نقدية أكبر، لتسهيل عمليات التبادل التجاري، وبمرور الوقت واستمرار عملية الإصدار النقدي بهذا الشكل ازداد حجم الكتلة النقدية حتى بلغ 80 تريليون ديناراً في الوقت الحاضر بعد أن لم يكن تجاوز 23 مليار دينار عام 1991.
وبعد زوال هذه الضغوط نسبياً صار من الضرورة إجراء إصلاح عام على نظام إدارة العملة وإعادة هيكلتها بما يتناسب مع هيكل الأسعار الجديد ومستويات الرواتب والأجور. ومن هنا جاء مشروع رفع الأصفار الذي تبناه البنك المركزي منذ بضع سنوات بوصفه جزءاً من استراتيجية إصلاح نظام العملة، وقد وُضع بعد دراسة وتقصي تجارب 54 دولة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مرت بالظروف نفسها التي مر بها الإقتصاد العراقي، وقامت بحذف أصفار عن عملاتها. لكن المشروع لم ينفذ لغاية اليوم بسبب عدم تحقق الظروف السياسية والإقتصادية المناسبة التي يراها الخبراء ضرورية لنجاح هذا المشروع وتحقق الغاية المرجوة منه.
وحيث أن العراق مقبل اليوم على تشكيل حكومة جديدة فإن من المناسب بل من الضروري وضع هذا المشروع أمامها بوصفه أحد الإستحقاقات المهمة في المرحلة المقبلة، لتعزيز الإستقرار النقدي وإعادة الثقة بالعملة العراقية من قبل المواطن والمستثمر.
ويتلخص أهم ما جاء في الأوراق البحثية، بما يأتي:
الورقة الأولى: الدينار العراقي من القوة إلى الضعف، أ. د. يوسف علي عبد الأسدي  
استعرض الباحث تأريخ العملة العراقية (الدينار) وأجزاءة (الف فلس)، وأن أول دينار عراقي صدر في 16 / اذار من عام 1932 واستبدل عن الربيه الهندية التي كان التعامل بها سائدا اثناء الاحتلال البريطاني، وكان معدل مبادلة الدينار الواحد مقابل 13 ربية.
وأهم المراحل التي مرت بها العملة العراقية هي:
المرحلة الاولى 1931/1958
شهدت هذه المرحلة تاسيس مجلس العملة العراقي في عام 1931 وانيطت له مسؤولية اصدار عملة عراقية خاصة حيث صدر القانون ذي الرقم (44) في عام 1931 الذي نص على اصدار دينار عراقي مساوٍ للجنيه الاسترليني في القيمة، وقد استمر مجلس العملة باصدار العملات الورقية والمعدنية لحين تاسيس المصرف الوطني العراقي عام 1947.
في عام 1952 كلف المصرف الوطني العراقي الاقتصادي الدنماركي  كارو ايفرسون اعداد تقرير عن السياسة النقدية في العراق وتم تقديم تقرير في عام 1954 الذي تضمن عدة توصيات صدر على اثرها قانون البنك المركزي العراقي ذي العدد 72 لسنة 1956 الذي تم بموجبه استبدال تسمية المصرف الوطني العراقي ب(البنك المركزي العراقي) ونصت الفقرة الاولى من المادة الرابعة من هذا القانون على ان البنك المركزي يقوم باصدار العملة وادارتها، وبموجبها يكون الدينار العراقي الوحدة القياسية للعملة ويساوي من حيث القيمة  2.48828 غراما من الذهب الخالص.
المرحلة الثانية 1958 /2003  
شهدت المرحلة الثانية تطورات سياسية كبيرة اثرت بشكل مباشر في مؤشرات وسياسات الاقتصادية بصورة عامة وفي التطورات النقدية وبشكل مباشر بقيمة الدينار العراقي بصورة خاصة وفي عام 1959 تم الغاء قانون العملة العراقية ذي الرقم 44 لسنة 1931 بموجب قانون العملة الجديد ذي الرقم 92 لسنة 1959 حيث تم اقرار غطاء العملة فيه فضلا عن اضافة الفضة كاحد مكوناتها وتم ربط الدينار العراقي بالدولار الامريكي وانهاء ربطه بالجنيه الاسترليني وبلغت قيمة الدينار العراقي بموجب هذا القانون 2.28 دولار واستمر الحال الى عام 1971 حيث ارتفع سعر صرف الدينار العراقي 3.37 دولار نتيجة لارتفاع اسعار النفط وزيادة الاستيرادات النفطية، اما في عام 1973 تم تخفيض قيمة الدينا العراقي بواقع دينار واحد مقابل 3.2169  وهو السعر الرسمي الذي بقى حتى حرب الخليج الثانية 1991.
وفي عام 1976 صدر قانون البنك المركزي العراقي ذي الرقم 64 الذي الغى القوانين السابقة وتعديلاتها كافة، وقد اكدت المادة 1 من القانون الزام البنك المركزي بعرض قرارته الخاصة برسم السياسة النقدية والائتمانية على وزير المالية للمصادقة عليها واذا اعترض البنك على قرار الوزير يعرض الامر على مجلس الوزراء ويكون قراره باتا أما المادة 2 من قانون وزارة المالية ذي الرقم 92 لسنة 1981 التي عدت البنك المركزي احد تشكيلات وزارة المالية فقد زادت التبعية.
وبعد نفاذ قانون 64 لسنة 1976 ظهرت طبعة جديدة للعملة العراقية وهي الطبعة الدولية المسماة (الطبعة السويسرية) التي تمت طباعتها لدى شركو ديلاو البريطانية و أكسبورتكس السوفيتية لغاية 1990
وعند اندلاع الحرب العراقية الايرانية بدات العملة العراقية تعاني من التدهور وخاصة في السوق الموازي حتى صار الدولار الواحد يعادل 4 دنانير عراقية في عام 1988 الا ان التدهور الاكبر حدث بعد عام 1991 نتيجة الحصار الاقتصادي على العراق ولعدم قدرة اصدار الدينار العراقي الذي كان يطبع خارج العراق حيث بدات الحكومة بطباعته في المطابع العراقية التي كانت تفتقر الى التكنلوجيا اللازمة لطبع عملة بمواصفات فنية عالية، مما ادى الى انتشار عمليات التزوير فضلا عن متغيرات اقتصادية اخرى من اهمها حرمان العراق من تصدير النفط فانهارت العملة العراقية، وفي عام 1995 كان الدولار الامريكي يعادل ثلاثة الاف دينار عراقي. وهكذا صدرت فئات لم تكن معروفة سابقا مثل الورقة النقدية من فئة 50 دينار و 100 دينار و 150 دينار واستمرت عمليات اصدار العملة العراقية لتغطية متطلبات الانفاق الحكومي المتزايد حتى اضطرت الحكومة عام 2002 الى اصدار ورقة نقدية جديدة قيمتها 10 الاف دينار وبقيت قيمة العملة العراقية خلال هذه المدة متدنية ومتارجحة صعودا و نزولا.
المرحلة الثالثة 2003 /2021
بعد احتلال العراق في نيسان 2003  وبعد تشكيل سلطة الاحتلال المؤقتة التي فرضت اجراء تغيرات كبيرة ومهمة في السياسة الاقتصادية القائمة
بعد ذلك عملت سلطة الاحنلال المؤقتة على استبدال العملة العراقية خلال مدة ما بين 15 تشرين الاول من عام 2003 و لغاية 25 كانون الثاني من عام 2004 وبفئات جديدة هي (250 دينار، 500 دينار، 1000 دينار، 5000 دينار، 10000 الاف دينار، 25000 دينار) وبعدها بمدة اصدرت فئة جديدة قيمتها 50000 دينار.
ومن التطورات المهمة في هذه المرحلة هي اصدار قانون البنك المركزي ذي الرقم 56 في عام 2004 الذي اقر فيه ان وحدة النقد في العراق هي الدينار، والاهم من ذلك والذي يختلف فيه هذا القانون عمن سبقه من قوانين هو تحرير الدينار العراقي من اي معادل ذهبي او غيره من العملات الاجنبية او الاوراق المالية المحلية والاجنبية، وربطت المادة 32 من القانون بين العملة وبين موجودات البنك المركزي من دون تحديد غطاء معين للعملة كما سمح القانون استخدام العملات الاخرى في العقود المختلفة وحسب المادة 37 من نفس القانون، وقد جرت عدة تعديلات على قانون البنك المركزي اهمها عام 2007 و عام 2017 التي رفعت راس مال البنك المركزي الى واحد ترليون دينار عراقي.
كذلك تبنى البنك المركزي في عام 2003 سياسة استهداف التضخم الذي بلغ 26.9% في عام 2004 وارتفع الى 53.2% عام 2005 وبدا بالانخفاض حتى اصبح سالبا في عام 2019 وبمعدل 2.9%
المرحلة الرابعة من 2021 ومابعدها  
ان اهم مايميز هذه المرحلة هي تعرض الاقتصاد العراقي لازمة كبيرة هي ازمة انخفاض اسعار النفط التي كانت تلامس 75 دولارا للبرميل الواحد حتى وصلت اقل من 20 دولار مما ادى الى انخفاض حاد في الايرادات النفطية ساهم بشكل واسع في ازمة سيولة كبيرة ..
وخلال هذه المرحلة جرى تخفيض قيمة الدينار العراقي في نهاية 2020 وبنسبة تقارب 23% من قيمته امام الدولار الامريكي فقد بلغ سعر صرف الدولار الواحد 1450 دينارا عراقيا عند شراءه و1460 دينار عند بيعه من نافذة العملة الاجنبية الى المصارف والمؤسسات المالية و1470 للبيع للافراد والمؤسسات، ومن المحتمل جدا زيادة الطلب على العملات الاجنبية وبخاصة الدولار مما سترفع من قيمته بالسوق اكثر مما هو عليه الان وهذا ما يسمى باحلال العملة او الدولرة والتخلص من العملة المحلية لذلك ظهرت خيارات لحل مشكلة الضغوط التضخمية من اهمها العودة الى مشروع حذف الاصفار كما عملت العديد من الدول الاخرى مثل المانيا و تركيا و الارجنتين و روسيا و بولندا و فنزويلا و ايران وغيرها.
مشروع إعادة هيكلة العملة (رفع الاصفار)... المبررات والمتطلبات
هناك العديد من الاراء المؤيدة والمعارضة لعملية رفع الاصفار في اغلب بلدان العالم التي تمت فيها العملية وتبعا الى ظروف كل بلد. وفي العراق قد تكون مطلوبة حيث تنص المادة 31 من قانون البنك المركزي العراقي ذي الرقم 56 لسنة 2004 في القسم السابع منه الذي يتعلق بالعملة العراقية على: (يكون الدينار هو وحدة النقد الوطني للعراق)  لكن في الواقع لا يوجد حاليا وحدة نقدية للتداول بمقدار دينار واحد، اما المبرر الثاني فهو الارتفاع المتواصل في مقدار العملة المصدرة حيث تضخمت الكتلة النقدية والتي اغلبها عملة التداول بشكل كبير حتى وصلت الى 103,4 ترليون دينار بعد ان كانت اقل من 8 ترليون في عام 2004.

الورقة الثانية: رفع الأصفار الثلاثة عن الدينار العراقي أ. م. د.نعيم صباح جراح
تناولت الورقة في البدء أهمية النقود مبينة أنها لم تتولد من النقود ذاتها مهما كان نوعها ( معدنيا, ورقيا, الكترونيا) ، بل بما يتم نيله والحصول عليه بهذه النقود.
ثم قدمت تساؤلات، عن نوع التغيرات التي تحدث للنقد، هل هو في قيمتها الاسمية او في قيمتها الحقيقية؟
مبينة أن هذه التساؤلات تشكل منطلقا لدراسة موضوع رفع الاصفار عن العملة من خلال دراسة إمكانية هذه الآليه في اصلاح وضع العملة ومدى القدرة في التأثير على النشاط الاقتصادي.
وقد تمحورت الورقة حول محاور ثلاث، هي:

المحور الأول: مفهوم عملية رفع الاصفار:
تناول مفهوم رفع الأصفار مؤكدا على ان هذه العملية لا يرافقها تغير في القوة الشرائية للعملة الجديدة، أي ان قيمة العملة القديمة والجديدة تبقى نفسها، أي أن القوة الشرائية لل (1000) دينار عراقي ستعادل (1) دينار. مضيفاً؛ أن عملية رفع الاصفار عن العُملة يختلف عن عملية تخفيض قيمة العُملة، إذ تعني الأخيرة تخفيض المحتوى الذهبي او عدد الوحدات من العملات الأجنبية مقابل وحدة واحدة من العملة الوطنية، أي تخفيض القوة الشرائية من اجل تحديد سعر الصرف الواقعي للعملة المحلية.
المحور الثاني: تجارب بعض البلدان في عملية رفع الاصفار:
تناول أهم التجارب في هذا المجال مشيرا إلى أن هذه التجارب بلغت اكثر من 70 تجربة أو محاولة منذ عام 1960 لغاية عام 2005، وعلى سبيل المثال، كانت المحاولات في البرازيل في السنوات: 1967، 1970، 1986، 1989، 1993، 1994، وفي الارجنتين عام 1970، 1983، 1985، 1992. موضحا أن هذه التجارب جاءت ضمن حزمة واسعة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية.
أما عن دواعي حذف الأصفار فقد بين أن بعض هذه البلدان مثل عدد من البلدان الاوربية التي كانت تهدف إلى تعزيز الاندماج في المنطقة النقدیة الأوروبیة انظمت إلى الاتحاد النقدي الأوربي ولجأت الى إعادة تسمية عملتها من اجل تسھیل عملیة التكامل النقدي الإقلیمي أو استخدام عملة إقلیمیة واحدة مثل الیورو.
والبعض من البلدان تلجأ الى عملية رفع الاصفار بسبب الصراعات الداخلية كما في راوندا ونيكاراكو وسيراليون وانغولا .
وقد كانت الضغوط التضخيمية المفرطة التي تعاني منها اقتصادات كل من البرازيل والأرجنتين وبيرو مبررات داعية الى تبني عملية رفع الاصفار . اما نيجيريا فإن محاولة ضمان استقرار الاقتصاد الكلي وكفاءة نظام المدفوعات، كانت أسبابا لاعادة تسمية العملة النيجيرية ( النايرا) في عام 2007 من خلال حذف اثنين من الاصفار ويتضح ان الاتجاهات التضخمية كان المتغير او العامل الأكثر تاثيرا في الاقدام على اصلاح العملة عن طريق آلية رفع الاصفار مقارنة مع العوامل الأخرى المسببة في معظم البلدان التي اتبعت هذه الالية كالانضمام الى كتلة نقدية او اتحاد نقدي وخصوصا بلدان اوروبا الشرقية التي سلكت آلية التحول نحو اقتصاد السوق.
المحور الثالث: استشراف لمحاولة رفع الاصفار في العراق:
    ان اقتصاد أي دولة ومنها العراق يتطلب توفر مجموعة من الشروط والعوامل لكي تكون عملية رفع الاصفار ذات اثر ايجابي وتساهم في تعزيز واستدامة الاستقرار، وعليه فإن دافع القبول او الرفض لعملية رفع الاصفار يوجب النظر بتمعن الى طبيعة وواقع الاقتصاد العراقي، فأذا لم يكن هناك قطاع انتاجي قادر على ان يوفر السلع والخدمات بصورة مستدامة فأن مسألة المحافظة على قيمة العملة بعد اعادة تسميتها ( رفع الاصفار) ستكون شكلية وقد تكون التكاليف مضاعفة على الاقتصاد وعلى قيمة العملة بالذات، وخصوصا اذا ما تعرض القطاع النفطي الى صدمة خارجية كما حص اثر الازمة المالية الاخيرة عندما انخفضت اسعار النفط من 147 دولار للبرميل الى اقل من 45 دولار للبرميل ، وما ينجم عن ذلك من تراجع ارصدة الاحتياطيات النقدية الداعمة والساندة لاستقرار قيمة العملة العراقية.
ومن ثم تكون ( المنافع) اقل بكثير من ( التكاليف)، لذلك يرى الباحث وفي ظل عدم توفر الشروط الاساسية على الاقل في المدى القصير فأن (تكلفة) عملية رفع الاصفار في العراق في الوقت الحاضر اكبر من (منفعتها) ، لان التجارب الناجحة لعملية رفع الاصفار حققت المكاسب للاقتصاد عندما توفرت بيئة تتسم بالاستقرار النسبي اقتصاديا وسياسيا، ويعتقد ان هذه الافكار ليست غائبة عن صانعي ومتخذي القرار النقدي والذي كانت احد مظاهر نجاحهم قد تحقق وهو اعادة الثقة بالعملة العراقية كأداه لتسوية المدفوعات بعد ان فقدتها لاكثر من عقدين.

    ثم استعرضت الورقة دوافع ومحددات عملية رفع الأصفار مبينة وجهة نظر الداعمين لذلك والمعترضين مع ذكر أسباب كل منهم، وكما يأتي:

وجهة النظر الداعمة لعملية رفع الاصفار ممثلة بالسلطة النقدية والاراء التي تدعمها فأنها ترى ان الدوافع تكمن في الاتي :
1-    انها جزء من استراتيجية لاصلاح نظام إدارة العملة العراقية ونظام المدفوعات يتوافق مع الاتجاهات الاقتصادية الراهنة ، وذلك عن طريق رفع ثلاثة اصفار من العملة العراقية من اجل تغيير القيمة الاسمية للعملة والمحافظة على القيمة الحقيقية او الشرائية ، وهي سياسة طويلة الأمد تتبناها الحكومة العراقية والبنك المركزي ، وهو مشروع سيتم المباشرة به فور تحسن وضع الاقتصاد العراقي لانه موضوع إصلاحي سيجعل الكتلة النقدية اقل حجما ، اذ ان العراق وخلال السنوات القليلة المقبلة ومع تطبيقه لخطة التنمية الجديدة سيرفع من انتاجه النفطي وستزيد موارده بشكل كبير وبالتالي الحاجة الى عملة قوية وسهلة بالتعامل .
2-    ان العملية تساهم (نسبيا) في تقليل عمليات السطو والسرقة التي تطال عمليات نقل الأموال بين المصارف وذلك من خلال تقليل مقدار الكتلة النقدية التي يتم نقلها .
3-    ان العملية سيترافق معها اصدار فئات كبيرة من العملة العراقية تساهم في تقليل عملية (الدولرة ) التي يعود جزء من انتشارها في المرحلة الراهنة فضلا عن قبولها الواسع ، الى سهولة حملها ونقلها ، مما يشجع على استخدام العملة الوطنية خاصة في تسوية المدفوعات المحلية ، خصوصا في ظل سعر صرف قد يكون مقبول (نسبيا) في المرحلة الحالية بعد كانت هناك مجموعة من أسعار الصرف تراوحت بين (0,3108) دينار و (3000) دينار لكل دولار ، لاحظ جدول (12) .
4-     ستخفض العملية من التكاليف المادية والزمنية التي تتطلبها عمليات العد والفرز والحساب سواء بين الافراد او في السجلات او الحواسيب في المصارف .

أما المعترضون على عملية رفع الاصفار من العملة العراقية، فيلاحظ ان معظمهم لايعترضون على جوهر العملية وانما الاعتراض على التوقيت، لان العملية ليست بتلك السهولة فهي معقدة التفاصيل وتحتاج الى تشريعات والى امكانيات كبيرة قد لا تتوفر على الامد القصير، بمعنى الحاجة الى ترتيبات اقتصادية تدعم هذه العملية، لان عدم نجاحها ستترتب عليه تكاليف مضاعفة على الاقتصاد والمجتمع العراقي يقف في مقدمتها انهيار الثقه في العملة الوطنية بعد ان تم استعادة الثقة بعد عام 2003.
ويمكن إجمال أسبباب هذا الرأي بما يأتي:
1- توقع أن يرافق عملية رفع الاصفار وتبديل العملة انهيار الثقه في العملة الوطنية مما يسبب تصاعد المستويات العامة للاسعار وقد يكون من الصعوبة السيطرة عليها فيما بعد ومن ثم فقدان العملة العراقية لقيمتها ولا تنفع معها القيام بعملية رفع الاصفار.
2- ان الاقتصاد العراقي لا يواجه حاله التضخم الحادة التي واجهتها البلدان التي قامت بعملية رفع الاصفار عن عملاتها ، فالبنك المركزي العراقي يعمل على تقليص تضخم الكتله النقدية ( عرض النقد بالمفهوم الضيق M1) الذي ارتفع من 6 تريليون دينار في عام 2003 الى 41 تريليون دينار في  شهر اذار من عام 2010 ، التزايد في الكتله النقدية كان حصيله الافراط في الاصدار النقدي المستمر منذ اكثر من ثلاثه عقود. اذ ان معدلات التضخم السائدة تتلائم مع النشاط الاقتصادي الذي يعتمد في تمويله على الحصيله الاستيرادية من السلع والخدمات بنسبه لا تقل عن 95%.
3- ان المشكلة في العراق هي ليست مشكلة نقدية صرفة يعود حلها الى الجانب النقدي فقط أي ان رفع الاصفار لوحده لن ينهي المشكله، بل يعتمد على الجانب الاخر من الاقتصاد وهو الجانب السلعي والخدمي ( الانتاجي) وهو الان شبه معطل ويستند الى ما تدره الصادرات النفطيه من عوائد بالعمله الاجنبية التي تشكل الاحتياطي او الضمان لقيمه الدينار العراقي.
4- ان التكاليف المادية والزمنية التي تتطلبها عمليات الطباعه والعد والفرز والحساب سواء بين الافراد او في المصارف ، قد لا يحدث عليها تغيير خصوصا في حاله عدم اصدار فئات كبيرة من العملة ، اذ ان المبلغ الذي  يكون مقداره (1000000) مليون دينار يتطلب عد او حساب الف وحده من فئه الالف دينار ، وبعد حذف الاصفار الثلاثه سيكون مقدار المبلغ 1000 دينار وهو ما يتطلب طباعه او عد الف وحده من فئة الدينار ايضا ومن ثم فأن رفع الاصفار لم يختصر الزمن ولم يقلل من تكلفة طباعة عدد الوحدات من الاوراق النقدية.
5- في ظل الظرف الراهن فأن اصدار مسكوكات نقدية قد تكون غير مجدية خصوصا وان اتجاهات المستوى العام للاسعار لا يتوقع لها ان تتجه الى الهبوط ، وبالتالي لا يوجد من السلع والخدمات ما يتم شراؤه بهذه العملات المعدنية ، كما حدث بالنسبة الى الفئات الثلاث التي اصدرها البنك المركزي العراقي من المسكوكات ( 25 دينار ، 50 دينار، 100 دينار) عام 2005وطرحت للتداول في العام نفسه ، ولكن في نهاية عام 2007 اعلن البنك المركزي سحبها من التداول وعدها لاغيه ولا يجوز تداولها او التعامل بها.
6- التخوف مما قد يترافق مع عملية ابدال العملة الجديدة بالقديمة من عمليات تزوير او تلاعب في ظل الوضع الامني والسياسي غير المستقر نسبيا  من عمليات تزوير او تلاعب في ظل الوضع الامني والسياسي غير المستقر نسبيا ، خصوصا بعد عدد من المحولات التي تعرض فيها بعض مكاتب الصرافة والمصارف والمركز الرئيس  للبنك المركزي للاعتداء.
7- ان العملية ستكون تكاليفها مرتفعه من حيث الدعم اللوجستي ومن حيث مقدار الكتله النقدية التي سيتم طبعها والتي سيتم استبدالها واتلافها والتي اغلبها تمثل عملة في التداول وليست حسابات مصرفية في ظل تدني الوعي المصرفي لدى الافراد وضعف الاداء المصرفي.
8- توجد عوامل عديدة في العراق تساهم في التأثير على قيمة العملة محليا ودوليا مثل التغيرات في قيمة الصادرات والاستيرادات وتغير معدلات التضخم والتغير في معدلات الفائدة المحلية و الاجنبية  والتدخلات الحكومية والعوامل السياسية والعسكرية ، وبالتالي قد لا تساهم  عملية رفع الاصفار بمفردها في تحقيق مكاسب المتوقع تحقيقها.

الإستنتاجات والتوصيات:
خلصت الندوة إلى نتيجة مفادها أنه لا بد من توافر شروط وظروف، لكي تكون عملية رفع الاصفار عن الدينار العراقي ذات جدوى، أهم هذه الشروط هي:

1-    توفر استقرار سياسي وامني مناسبين كشروط ضرورية وكافية لتأمين الحد الادنى لنجاح عملية حذف الاصفار عن العملة.
2-    وجود سياسة اقتصادية واضحة ومحددة الاهداف والمهام والابعاد الزمانية والقطاعية.
3-    الاستخدام الامثل للموارد الاقتصادية ( البشرية والمادية) المتاحة، واتخاذ خطوات عملية لتنويع الاقتصاد من خلال التحديث المنتظم للقطاع الزراعي ، ووضع سياسة صناعية تركز على تنشيط قطاع الصناعات التحويلية واعتباره نشاطا محوريا للاقتصاد فضلا على القطاع النفطي، ومساهمة القطاع الخاص في تفعيل النشاط الاستثماري في مختلف القطاعات التي تتوفر فيها ميزة نسبية.
4-    توفر  الاحتياطيات النقدية المناسبة من العملات الاجنبية القابلة للتحويل ، اذ يجب ان تكون هناك امكانية لتغيير انماط الاستهلاك التقليدية نحو السلع والمنتجات المصنعة محليا بدلا عن المستوردة في سبيل دعم الانتاج المحلي وتوفير العملات الاجنبية وتحسين وضع ميزان المدفوعات وبالنتيجة دعم سعر صرف العملة الوطنية امام العملات الاجنبية وتكوين احتياطي نقدي مناسب يعزز استقرار قيمة العملة محليا ودوليا بعد اسقاط الاصفار عنها.
5-    ان تكون المديونية الخارجية عند مستويات مقبولة ولا تشكل عبء على الاقتصاد.
6-    من اجل ان تكون عملية رفع الاصفار داعمة للاستقرار الاقتصادي والنقدي يجب ان تكون الادارة الحكومة قادرة على التأثير في الاتجاهات الرئيسية لارتفاع المستويات العامة للاسعار في الاقتصاد عن طريق السيطرة على مسببات ومصادر هذا الارتفاع.
7-    التحديد بوضوح اليه ومراحل الانتقال الى العملة الجديدة مع الاخذ بنظر الاعتبار ما قد يتم مواجهته من معوقات كالتباطؤات الزمنية والتغيرات المفاجئة في الاوضاع الاقتصادية والمالية.
8-    انجاز التشريعات الادارية والقانونية التي ترتبط بالعملية.

 

 

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر