الحركة النسوية في العراق خلال مائة عام بين المكاسب والتحديات

2023-02-27

الحركة النسوية في العراق خلال مائة عام بين المكاسب والتحديات

 ندوة علمية  اقامها قسم الدراسات التاريخية


عقد قسم الدراسات التاريخية في بيت الحكمة، يوم الاثنين الموفق 27/2/2023، ندوةً علميةً موسَّعة بمناسبة الذكرى المئوية لولادة الناشطة العراقية في مجال حقوق المرأة، الدكتورة نزيهة جودت الدليمي (1923–2007)، تحت عنوان: (الحركة النسوية في العراق خلال مائة عام.. بين المكاسب والتحديات). أُقيمت الندوة برئاسة الأستاذ الدكتور عبد السلام إبراهيم بغدادي، ومقررية الباحث بثينة هاشم ياسين، ومشاركة الباحثات:
• د. ذكرى عادل عبد القادر (جامعة بغداد / كلية الآداب)، ببحثها الموسوم: (دور الدكتورة نزيهة الدليمي في الحركة النسوية العراقية (1952–1975)).
• أ.د. لاهاي عبد الحسين (جامعة بغداد / كلية الآداب)، ببحثها الموسوم: (قراءة في الحركة النسوية في العراق خلال مائة عام).
• أ.م.د. أزهار عبد الكريم الشيخلي (كلية الفارابي الجامعة)، ببحثها الموسوم: (العمل السياسي للمرأة العراقية: المخاطر والتحديات).
• م.م. شيماء علك حافظ (كلية الإسراء الجامعة) ببحثها الموسوم: (العمل الدبلوماسي للمرأة خلال مائة عام من تاريخ العراق المعاصر.. نماذج مختارة).
اُستهلت الندوة ببحث الدكتورة (ذكرى عادل عبد القادر)، تناولت فيه أثر الاحتلال البريطاني للعراق، وسيطرة النظام الإقطاعي وانعكاساته على المجتمع العراقي بشكلٍ عام، وعلى المرأة بشكلٍ خاص. واحد أسباب حالة الجهل والتخلف التي انتشرت بين شرائح المجتمع العراقي. ثم جاء تأسيس الدولة العراقية سنة 1921، ليشهد بروز دور المرأة عند اندلاع ثورة العشرين بمُساندتها للرجل من خلال التبرع بالمال وإنشاد الشعر لتشجيع المقاتلين ضد الاحتلال البريطاني. وشَهِدت الفترة (1921-1932) تطوراً نوعياً في مجال التعليم النسوي إلى جانب ضغط الرأي العام ومساهمة الصحف والمجلات للمُطالبة بنشر التعليم خاصةً بين صفوف النساء.
وكان لتصريح الملك فيصل الأول في إحدى خطبه سنة 1932، بأن (ليس في العراق محاميات أو صاحبات مِهَن، فنحن نريدها لواجبات اظم من الحقوق والاقتصاد نريدهن للعمل في الميدان النسوي)، حافزاً لظهور أول تنظيم نسوي عراقي هو (نادي النهضة النسوي) برئاسة أسماء صدقي الزهاوي.
تعرفت الدكتورة نزيهة الدليمي  من خلال دراستها في كلية الطب إلى أعمال جمعية الهلال الأحمر، عن طريق صديقتها نزيهة رؤوف مخلص، وتعرفت على الأفكار الشيوعية عن طريق الدكتور فاروق برتو، الذي كان يمثل تنظيم الطلبة للحزب الشيوعي في كلية الطب. وتم ترشيحها للحزب الشيوعي سنة 1947، وفي سنة 1948 انتُخبت للعضوية، بعدها تخرجت من كلية الطب وعُينت في المستشفى الملكي في بغداد، وتنقلت في ألوية مختلفة منها: السليمانية، وكربلاء، وتعرفت عن طريقها على معاناة المجتمع العراقي والمرأة بشكلٍ خاص. وتبلورت لدى الدكتورة نزيهة الدليمي فكرة إعادة نشاط (رابطة النساء العراقيات)، وبدأت بالفعل التحرك بهذا الاتجاه، واستطاعت أن تحقق شيئاً ملموساً للمرأة.
استطاعت الدليمي بجهودها وعلاقاتها أن تكسب العديد من الوجوه والشخصيات غير الشيوعية بالانضمام إلى الهيئة المؤسِّسة.. وصل العدد إلى الخمسين وتقدمت بطلبها لتأسيس جمعية نسوية باسم (جمعية تحرير المرأة) سنة 1951، لكن رفض إعطائهن الإجازة من قبل الحكومة. توسع دور نزيهة الدليمي كامرأة ناجحة وناشطة وسياسية بعد تعيينها أول وزيرة في الشرق الأوسط بشكلٍ عام والعراق بشكلٍ خاص، بتاريخ 22/تموز/1959 إلى سنة 1960.
أوردت الباحثة عدداً كبيراً من مساهمات الدكتورة الدليمي في مجال الدفاع عن حقوق المرأة وإنشاء المشاريع التي تخدم مسيرة الحركة النسوية وتثبت حق المرأة وقدرتها في مجال البناء المجتمعي جنباً إلى جنب مع الرجل.
تناول البحث الثاني للأستاذ الدكتورة (لاهاي عبد الحسين) مسيرة الحركة النسوية في العراق خلال 100 عام، حيث أشارت الباحثة إلى أن السنوات الممتدة بين سنتي (1921-1951) شَهِدت احتلال المرأة للمراكز الأولى في معظم حقول المعرفة، حيث برزت أسماء لامعة لنساء وضعن خارطة طريق للعمل النسوي ودخول المرأة العراقية معترك الحياة العملية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لكن دخول الأحزاب إلى المشهد العراقي العام منذ سنة 1952، وتنامي الصراعات الحزبية وما نتج عنها من محاولاتٍ لإقصاء الآخر بشتى الطرق حجَّم من دور الجمعيات والحركات النسوية.
بعد سنة 1958، عادت تلك الجمعيات والحركات لمزاولة نشاطاتها لخدمة المرأة ومحاولة الارتقاء بواقعها إلى ما يجعل منها عضواً مؤثراً في مجتمعها، مع أن واقع الحال يُظهر أن هذهِ المنظمات كانت تُخفي خلفها حقيقة ذكورية لا تخفى على أحد.
بعد سنة 1979، هيمن الاتحاد العام لنساء العراق على المشهد النسائي العراقي خدمةً للنظام السياسي، فيما شَهِدت فترة الثمانينيات أشرس التحديات التي واجهت المرأة العراقية متمثلةً بالحرب العراقية - الإيرانية.
وتطرقت الباحثة إلى وضع المرأة العراقية في ظل الحروب المتوالية التي شَهِدها العراق، وتأثير تلك الحروب الاجتماعي والاقتصادي والنفسي على نسوة العراق، وصمودهن أمام تحدياتٍ قاسية أثبتن فيها قوة الإرادة والعزيمة التي يمتلكنها.
الأستاذ مساعد الدكتورة (أزهار الشيخلي) في بحثها، تناولت مخاطر وتحديات العمل السياسي للمرأة العراقية، مشيرة في مستهل بحثها إلى المواثيق والاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية سيداو (أو كما تُسمى: وثيقة الحقوق الدولية للنساء، والموقعة سنة 1979)، التي تتحدث عن حقوق المرأة. وتساءلت هل أن هذهِ المواثيق كانت ضماناً كافياً لعمل للمرأة في العمل السياسي في الوقت الذي قد تُحمل المرأة على ترك العمل السياسي تجنباً للإهانة، أو الانتقاص العلني المقصود، أو التسقيط، أو حتى الزج في السجون؟
أوردت الدكتورة الشيخلي بعضاً من العوامل التي تحد من المشاركة النسوية في العملية السياسية، مثل عوامل تتعلق بالتنظيمات السياسية التي لا تؤمن بتأثير دور المرأة في المجتمع بشكلٍ عام، والعمل السياسي بشكلٍ خاص. وأيضاً ضعف الإرادة السياسية في بلورة قوانين المساواة، إضافة إلى تقييد الدور السياسي للمرأة؛ بسبب تفسير بعض النصوص الدينية وآليات تقسيم العمل وتحديد دور المرأة في مجالات محددة، وغياب الدور الرقابي بسبب ضعف الدولة.
أما الباحثة (شيماء علك حافظ) فقد تناولت تأثير تنامي الموضوعات والقضايا الدولية التي صاحبت التطور المتزايد في عالم الاتصالات والتواصل والتكنولوجي، والتي أدت بمُجملها إلى ظهور مصطلحاتٍ جديدة وأنماطٍ حديثة في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية لمواكبة ذلك التقدم والتطور على مستوى التفاعلات المحلية والإقليمية والدولية.
ومن هذهِ الأنماط الحديثة للدبلوماسية هو (الدبلوماسية النسوية)، الذي يعتبر مفهوماً حديثاً ومرناً، ويختلف تفسيره من دولةٍ إلى أخرى.
وتؤكد الأمم المتحدة بأن الدبلوماسية النسوية، أو (السياسة الخارجية النسوية) كما أسمتها، نهج مختلف لتحقيق المساواة بين الجنسين، من خلال تركيزها على نماذج جديدة للسياسات العامة التي تمكن المرأة في السياسة الدولية، وتحسن فرص أمامهن من خلال التعليم والتمكين الاقتصادي.
ثم تناولت الباحثة نماذج من الدول التي بادرت للعمل ضمن هذا الحقل (أي الدبلوماسية النسوية)، حيث تُعد السويد من المنظور الدولي أول دولة طبقت نمط الدبلوماسية النسوية، وأسستها على ثلاث ركائز: (حقوق المرأة، وتمثيل المرأة، وتخصيص الموارد لضمان المساواة بين الجنسين). كما قدمت كُتيب بعنوان: (الدبلوماسية النسوية) سنة 2018، لمشاركة دروس عن سياستها الخارجية بشأن حقوق المرأة. ثم تبعتها فرنسا بتبني هذا النمط. وتجدر الإشارة إلى أن كندا والسويد تحتلان مرتبة الصدارة من حيث أعلى نسبة من السفيرات والممثلات الدبلوماسيات الدائمات، وفي النرويج تصل نسبة المرأة الدبلوماسية (35) سفيرة من أصل (76) سفيراً وسفيرة، حسب ما جاء بمؤشر المرأة في السلك الدبلوماسي لسنة (2022) بنسخته الثالثة، والصادر عن أكاديمية (أنور قرقاش الدبلوماسية).
أما التجربة العراقية في هذا المجال، فقد تحدثت عنه الباحثة مبينةً أن المصادر لم تذكر وجود شخصية دبلوماسية من النساء خلال المدة الواقعة بين سنتي (1924-1958)، أي منذ تأسيس وزارة الخارجية العراقية إلى قيام الحكم الجمهوري. أما بعد قيام الحكم الجمهوري وخلال العهد الأول منه برزت عدة أسماء، ففي سنة 1959 وصلت المرأة العراقية إلى عدة مناصب مهمة، فقد تسلمت كل من الدكتورة (نزيهة الدليمي، وسعاد خليل إسماعيل) وزارات، واشتركت مع الرجل في تخطيط سياسة البلد آنذاك، وأيضاً عُينت الدكتورة سهى الطريحي سفيرة في جنيف حتى أصبحت وزيراً مفوضاً. عملت الدكتورة الطريحي (1936-2021) في وزارة الخارجية منذ ما بعد ثورة 14/تموز/1959، أي في عهد وزير الخارجية الأستاذ هاشم جواد، ووصلت إلى درجة (وزير مفوض)، كانت الطريحي دبلوماسية مخضرمة، عملت في الخارجية العراقية بمهنيةٍ عالية في فتراتٍ سياسية متباينة وحرجة، وخدمت في عدة بلدان ومؤسَّسات دولية، وصلت إلى درجة وزير مفوض قبل أن تُحيل نفسها على التقاعد بداية عقد التسعينيات.
نعتها وزارة الخارجية عند وفاتها، ووصفتها بأنها دبلوماسية من الطراز الأول، كتبت عنها الصحف ومنها جريدة (الزمان)، كما خصصت جريدة (المشرق) البغدادية صفحةً كاملة تحدثت فيها عن سيرتها وما قدمته عِبرَ حياتها الدبلوماسية.
اختتمت الباحثة بحثها بمجموعة من التوصيات:
1. ينبغي أن تحصل المرأة العراقية على حقوقها الإنسانية والاجتماعية والعمل الحقيقي على حمايتها من التمييز والتسلط، وأن يكون ذلك من ضمن أولويات الحكومة إن كانت فعلاً صادقة في رغبتها بالنهوض بالمرأة وتحسين أحوالها.
2. إن مشاركة المرأة لا ترتبط بالتصريحات والتعليقات والتوجيهات، وإنما هو واقع عملي يجب أن يُطبق على أرض الواقع. فمشاركتها في السلك الدبلوماسي هو جزء وحق من حقوقها، والذي يجب أن يأخذ جانباً واقعياً أكثر مما يأخذ جانباً نظرياً.
3. ينبغي على المؤسَّسات والجهات التي تُعنى بشؤون المرأة وتحاول تفعيل مشاركتها السياسية، أن تعمل على إيجاد رؤية واضحة ومحددة المدى الذي تسعى المرأة للوصول إليه في مجال المشاركة السياسية وصنع القرار السياسي الخارجي.
4. السعي للحصول على نسبةٍ أكبر من الكوتا النسائية في البرلمان وفرض كوتات خاصة للنساء في جميع الوزارات والمؤسَّسات الحكومية وبالخصوص وزارة الخارجية؛ وذلك لإعطائها الفرصة لإثبات قدرتها ونجاحها.
5. تنويع البرامج التعليمية للمرأة، وتنويع نواتج العملية التعليمية، مثل تعلم (اللغات وقواعد البروتوكول والاتيكيت)، والتدريب المهني للإناث، لتوسعة قدراتهن حتى تكون فرصتهن أكبر بالحصول على المقاعد بالسلك الخارجي الدبلوماسي.
6. توجيه الإعلام ليعرض صورة المرأة القيادية، ليس بافتراضها استثناء ولكن بافتراضها حالة طبيعية تمثل قدرات المرأة العراقية.
7- أن يكون هناك توجيه لوزارتي التربية والتعليم لتضمين مناهج تتعلق بالمرأة، مع محاولة تغيير الصورة النمطية عنها.
وأخيراً، فقد شَهِدت الندوة إلقاء مجموعة من رائدات الحركة النسوية في العراق، وهن: السيدة سافرة صدقي جميل، والسيدة هناء ادوارد، والسيدة شميران مروكل، إضافة إلى السيد رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، كلماتٍ تشيد بالدور الذي قامت بهِ وما زالت المرأة العراقية في صراعها على جهاتٍ عدة من أجل إثبات أحقيتها في بناء كيان مستقل لا يقل شأناً عن استقلالية الرجل. كما تلا ذلك مجموعة من التعقيبات والمداخلات للسيدات والسادة الحضور أثرت موضوع الندوة.

 

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر