الشخصية العراقية وانثروبولوجيا الدين/ في ضوء طروحات آرنست غيلنر

2015-04-22

الشخصية العراقية وانثروبولوجيا الدين/ في ضوء طروحات آرنست غيلنر

 حلقة نقاشية قسم الدراسات الاجتماعية بالتعاون مع قسم الانثروبولوجيا التطبيقية في كلية الآداب في الجامعة المستنصرية 


بحضور عدد من الأساتذة والباحثين والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين وطلبة الدراسات العليا عقد بيت الحكمة قسم الدراسات الاجتماعية بالتعاون مع قسم الانثروبولوجيا التطبيقية في كلية الآداب في الجامعة المستنصرية حلقة نقاشية بعنوان ((الشخصية العراقية وانثروبولوجيا الدين/ في ضوء طروحات آرنست غيلنر)) قراءة في كتاب (المجتمع المسلم). صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 21/4/2015 الساعة العاشرة صباحاً في قاعة قسم اللغة العربية في كلية الآداب/الجامعة المستنصرية.

برئاسة الاستاذ الدكتور عبد المنعم الحسني وبمقررية الدكتورة خديجة حسن جاسم
ابتدأ الجلسة الاستاذ الدكتور متعب مناف بتقدم ملخص عن كتاب (المجتمع المسلم) تمهيداً لاستئناف المشروع الاستراتيجي الموسوم بـ (دراسة الشخصية العراقية)
 
حيث بيّن الباحث عالم ان عالم الاجتماع شانكلاند أكد أن آرسنت غيلنر حاول العيش مع الدين (الإسلامي) في أكثر من دراسة تناولها من خلال النصوص, لذا فإن غيلنر إنما عاش ودرس الإجتماع المغاربي انثروبولوجياً وذلك برسم أبعاداً واقعية لمجتمع مسلم مغاربي لدورة الحياة اليومية وما هو نوع الحضور الديني في وسط تغلب عليه الصحراوية في العيش والإنتاج والفكر إذ تطغى القبلية ( القبلانية ) كنمط حياتي سائد وحاكم من دون إغفال لوجود السلطة الممثلة بالدينية وحكومتها مع نفوذ شيوخ القبائل وميلهم نحو قيادة الفعل السياسي على أفراد ( أعضاء ) القبيلة ( موشورياً  ) .
إذن كيف يكون التواجد الديني وفي مثل هذه المعادلة بأطرافها القبلية الصحراوية المغاربية والسلطة القبلية ( الشيوخ ) والمدنية وإرتباطها بدولة أودول المركز وحضور رجال الدين الذين يمارسون دورين كأحياء وكاموات , وهنا يختلف رجال الدين وبالأخص ( الأولياء ) وهم أولياء الله ( لاخوفٌ عليهَم ولاهم يحزنون ) لذا فهم يمارسون حضورهم في مثل هذا الوسط الاجتماعي الصعب في عيشه ( إقتصاد ندرة وكفاف ) وتعايشه في فقر مُدقع إختفاء طرق تواصل ومواصلات, إنعكس هذا الوضع المكاني / الجغرافي الذي يهمش الإنسان دافعاً به إلى التنقل , قل فيه الحل وزاد فيه الرَّحال , لذا تباعد الناس ( القبائل ورجالها وأهلها وحيواناتهم وممتلكاتهم القابلة للنقل كالخيام والملابس والأدوات والأسلحة ) مما زاد من النزاعات بينهم قد يكون مرعى أو نبع / آبار أو نساء أو تلك المرتبطة بالسطوة والجاه والنفوذ , ولما كانت ( المدينة المغاربية ) التي تمثل الدولة المركزية بثقلها السياسي والإداري وإمكاناتها الإقتصادية والمالية غير القادرة أو الفاعلة في فرض ( هيبة الدولة ) في مثل هذه الأصقاع المتباعدة وغير القابلة للسيطرة والضبط , وبذلك كان للأولياء ( رجال الدين أحياءً وأمواتاً ) وظيفة لها فاعليتها في تحقيق درجة من الضبط الإجتماعي قد تكون موازنة أو متعاونة لتلك الإجراءات والسياقات التي تعتمدها المدن لتمثيلها في أرض رمالها وأُناسها (القبائليون ) في وضع متحرك إلى حد وصف وسطهم بأنهم ( سايبه ) أي سائبة مغاربياً , هذه - بإختصار – الوحدات التي اشتغل عليها آرسنت غيلنر ولسنوات طوال إنثروبولوجياً ومخرجات عمله المنظم علمياً (نظرياً ) وميدانياً , تطرق اليها من خلال العديد من البحوث والكتب مع تكوينه لمدرسة انثروبولوجية كان الرأس فيها , ولما مات غيلنر ( مؤخراً ) تولى تلاميذه وزوجته السيدة سوزان غيلنر نشر أعماله ومنها كتابه ( مجتمع مسلم ) ( Muslim Society ) في العام ( 1981 ) وفي جامعة كامبردج في بريطانيا , ترجمة الدكتور أبو بكر أحمد باقادر عام ( 2005 ), يؤكد ذلك شانكلاند متتبعاً إشتغالات غيلنر الإنثروبولوجية وتأثره بالمدرسة الإنكليزية الاجتماعية وبالأخص إيفانز بريتشاد.
 
المعقبون 
- الدين والسلطة في العراق (مقاربات في ضوء طروحات ارنست غيلنر)
للباحث الاستاذ المساعد الدكتور جعفر نجم جاسم
وضح المعقب ان القيام بعملية مقاربة نظرية بين اطروحات غيلنر الواردة في كتابه المثير للجدل (مجتمع مسلم)، والواقع العراقي، لاسيما في دائرتي الدين والسلطة، ماهي الا عملية استدراك نظري على ابرز القضايا التي ما زالت تضرب حيثياتها وتداعياتها في البنية العراقية برمتها، فكانت المقاربات بمجموعها هنا، بمثابة بناء نظري جديد يعبر عن عمق الازمة الثقافية العامة، والتي ما زال الصراع فيها على السلطة من قبل كل الفاعلين الاجتماعيين أياً كانت موجهاتهم واتجاهاتهم، يمثل العنوان الابرز في الميدان العراقي.
ولقد كانت اطروحات غيلنر بشأن النصوصية الطهورية قبالة الايمان الشعبي (الطقوسي)، او المدنية ازاء القبيلة والعشيرة، وما بينهما من سلطة الفقهاء التي تقف حائرة بين تموجات الحداثة المستمر بحيثياتها المستعجلة، وبين انقلابيات ايديولوجية تستظل بالنص تارة وبالقراءة الآنية/ المصلحية للواقع تارة اخرى، وقد كان ذلك بالنسبة لنا مدارا او فضاء اجتماعيا عاما حاولنا في ضوئه قراءة الدين والسلطة في العراق.
 
- الغلنرية وإنثربولوجيا صراع البداوة / المدينة والإسلام
للباحث السيد قاسم عبود الدباغ / رئيس باحثين اقدم/ بيت الحكمة
    وضح الباحث ان  آرنست غيلنر يستمد بحوثه الإنثروبولوجية حول طبيعة الجماعات الرعوية وعلاقاتها بالدين ( الإسلام ) ، من الشمال الإفريقي من حدود مصر الغربية حتى موريتانيا مع التركيز على تونس والجزائر والمغرب، مستخدماً الانموذج التفسيري لما هو واقع وضمن افتراضاته العلمية، مشددا على مدى الحضور الديني وتداخله في البداوة والمدينة، وبإعجاب شخصي من قبله على قدرة الدين الإسلامي وبتمييز عن باقي الأديان الأخرى كالمسيحية واليهودية على فرض تعاليمه ومعتقداته على أتباعه، وإن كان هذا التأثير يبدو غير متجانساً بين الوضع لدى القبائل البربرية وحياتها المعتمدة على الترحال، وبين حداثة المدينة المشغولة بهموم التجارة والسلطة، وكذلك من خلال اختلاف الوسائط المستخدمة من قبل كلا الطرفين، فطبيعة حياة التنقل لدى القبائل وقسوة الطبيعة وتفشي الأمية، تفرض عليهم الحاجة للإرشاد والتوعية خصوصاً الروحانية منها، وهو ما يخالف الوضع في الحياة المدنية ذات الحياة المستقرة بأسواقها وسلطتها .
    ثم بيّن الباحث ان غيلنر لا يقف موقفاً وسطاً كما هو الحال لدى بقية المفكرين الغرب تجاه الإسلام من خلال تفسيراته الإنثروبولوجية للمجتمع المسلم، وكما يرى هو بأن الإسلام يمتلك من الخصائص التي تجعله متميزاً عن غيره مثل : 
1-  أن الإسلام ذو رسالة إلهية كاملة وخاتمة مما يحول من دون تقديم بعض مجالات الحياة إلى سلطات دينية.
2- صعوبة إمكانية تقديم صور بديلة للنظام في دفاعه عن موقف الإسلام من الحضارة والصراع بينهما، حيث أن مجمل التغيرات التي طرأت على الإسلام جراء الحداثة هي تغيرات طارئة ولم تمس الجذور ( بأن ما يحدث من تغييرات طرأت على الإسلام جراء الحضارة، بأنه حدث تغيير فعلا إلا أن الإسلام لم ينحط ص 28 )، وصحيح بأنه ليس مصدراً للحداثة إلا إنه المستفيد منها، وذلك ما يدعوه لأن يعالج الفكر الديني كمنهجية وليس كعقيدة في تحليل وتفسير الكثير من إستنتاجاته .
  إذن من جراء ذلك يمكن عدّ أن الإسلام يحظى بخصوصية تتيح له التوافق مع أغلب التغيرات التي تتعرض لها المجتمعات، خصوصا المسلمة منها  (فهو لم يدمر حضارة تقليدية سابقة ولم يعش في ظلها،بل صنع أمة وحضارة خاصة به ص23 )، وهذا ما جعل الإسلام يتعامل بعدة محاور وعلى وفق طبيعة كل مجتمع زمنياً ومكانياً، فمع كل ما يحدث من صراع داخل المجتمع خصوصا بين القبيلة والمدينة، وكان حضوره في فك النزاعات يتميز بالإيجابية غالباً.
تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر