مستقبل علم الاجتماع .. المسيرة والمسار

2016-02-29

مستقبل علم الاجتماع .. المسيرة والمسار

حلقة نقاشية اقامها قسم الدراسات الاجتماعية


                                
مستقبل علم الاجتماع .. المسيرة والمسار

      إفتتح قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة بالتعاون مع الجامعة المستنصرية / كلية الآداب / قسم الانثروبولوجيا التطبيقية باكورة نشاطاته لعام 2016 حلقة نقاشية بعنوان (مستقبل علم الاجتماع .. المسيرة والمسار) على قاعة السمعية والمرئية في كلية الآداب في الجامعة المستنصرية  في الساعة العاشرة من صباح يوم الخميس الموافق 28/1/2016 وبحضور نخبوي فاعل متمثلاً بعمادة كلية الآداب واستاذة علم الاجتماع والانثروبولوجيا والخدمة الاجتماعية وطلبة الدراسات العليا والأولية .
وقد وزعت وقائع الحلقة على جلستين نظريتين محوريتين , تمثلت الجلسة الأولى بمحور علم الإجتماع ( سوسيولوجي )  أما الجلسة الثانية فتضمنت محوري علم الإنسان (الانثروبولوجيا) والخدمة الاجتماعية وكما يأتي :-
-    الجلسة العلمية الأولى ( المحور السوسيولوجي ) :-

رئيس الجلسة : أ.د. سلام عبد علي .
مقرر الجلسة : رئيس أبحاث أقدم قاسم عبود الدباغ .

الباحثون المشاركون :-
1.    أ.د. كريم محمد حمزة / علم الاجتماع في العراق ظروف النشأة ومعوقات المسيرة .
2.    أ.م.د. جعفر نجم نصر / سوسيولوجيا النقد الديني أطروحات لتأسيس مدرسة نقدية عراقية.
3.    أ.م.د. مازن مرسول محمد / مأزق السوسيولوجيا في العراق نحو اقصاءٍ واضح ومستقبل غامض.
-    الجلسة العلمية الثانية ( المحور الأنثروبولوجي والخدمة الاجتماعية ) :-

رئيس الجلسة : أ.د. كريم محمد حمزة .
مقرر الجلسة : الباحث فراس عبد الجبار .

1.    أ.م.د فريدة جاسم و أ.م. د. ذكرى جميل  حسين/ إشكاليات الدرس الانثروبولوجي في العراق .. رؤيـا نقديـة . .
2.    أ.د ناهدة عبد الكريم حافظ / الخدمة الاجتماعية في العراق الوضع الحالي وتوقعات المستقبل .
3.    أ.د. سلام عبد علي / مستقبل الخدمة الاجتماعية في العراق .
   
•    إعتذر عن الحضور كلٍ من أ.د. متعب مناف جاسم و أ.م.د. حسين فاضل لأسباب طارئة .
ثم تلت الجلستين مداخلات الحضور الفعَّالة والتي أثرت حلقتنا النقاشية بالتعقيبات والمقترحات .

  ﴿ وقائع الجلسة الأولى/المحور السوسيولوجي   ﴾

      إبتدأت وقائع الحلقة بجلستها  الأولى برئاسة أ.د. سلام عبد علي وبمقررية الأستاذ قاسم عبود الدباغ الساعة العاشرة صباحاً  و بكلمة  موجزة من قبل رئيس الجلسة إذ رحب فيها بالحضور ، مشددا على أهمية موضوع الحلقة النقاشية سواءً أكان على مستوى الدراسات الأولية أم الدراسات العليا ، بل وحتى على مستوى المهتمين بالبحث الاجتماعي عموماً ، وفي نهاية كلمته أكد أهمية المؤسسات العلمية ومن ضمنها مؤسسة بيت الحكمة في رفد ودعم جميع الجهود العلمية التي تصب في  تطوير المعرفة  العلمية والنهوض بالبلد نحو  مصاف البلدان المتقدمة.
ونورد أدناه تفاصيل الجلسة :-
1-    أفتتحت وقائع الجلسة العلمية الأولى ببحث أ.د. كريم محمد حمزة الموسوم بـ(علم الاجتماع في العراق ظروف النشأة ومعوقات المسيرة)  والذي تناول فيه الكتابة عن علم الاجتماع في العراق وعن اللحظة التاريخية التي أكتشف فيها المجتمع العراقي حاجته لقراءة جديدة ومختلفة لذاته تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً وهي لحظة تنوير تأخرت مثيلاتها في مصر عام 1925 ولبنان 1929 , إذ أن أول مؤلف عراقي قد ألف في هذا الإختصاص كان عام 1939 أي بعد أكثر من عقد ونصف حتى تم تأسيس قسم علم الإجتماع في كلية الآداب ومع مرور الزمن تطور القسم من حيث عدد أساتذته وتنوع إهتماماتهم ومرحعياتهم ومن حيث مواده ومناهجه وزيادة عدد طلاب هذا الإختصاص ومستوياتهم ومدراساتهم وشهادتهم ثم وجه تساؤلاً  : هل يعد كل ما سبق ذكره دليلاًعلى تقدم هذا العلم ؟ أم أن الملاحظة البسيطة تؤكد حقيقة أن الفجوة بين الرواد المؤسسين وبعض تابعيهم وهم معاً ثلة قليلة وبين العشرات الذين جاءوا من بعدهم تزداد عمقاً ؟
ركز الباحث في هذه الدراسة الموجزة على قضايا محددة لاتغطي كل تفاصيل مسيرة هذا العلم إلا أنها يمكن أن توفر رؤية لأهم الموضوعات التي إهتم بها أساتذة علم الإجتماع العراقيون وصولاً إلى تشخيص بعض المعوقات التي تعترض سبيل تطور هذا العلم  .
ثم قسم الباحث البحث إلى أربعة محاور على شكل تساؤلات وكما يأتي :-
أولاً / متى بدأت مسيرة علم الإجتماع وما ظروف هذا السياق ؟
ثانياً / ماهي الموضوعات التي حظيت بإهتمام أساتذة الإجتماع في العراق ؟
ثالثاً / هل لعلم الإجتماع في العراق هوية مميزة ؟
رابعاً / ماهي معوقات مسيرة علم الاجتماع في العراق ؟

أولاً / متى بدأت مسيرة علم الإجتماع وما ظروف هذا السياق ؟
غالباً ما ينصرف الذهن عند طرح سؤال متى بدأت مسيرة علم الإجتماع في العراق ؟ إلى محاضرة الدكتور علي الوردي ( شخصية الفرد العراقي – بحث في نفسية الشعب العراقي في ضوء علم الإجتماع الحديث ) والإجابة هي في اللحظة التي ألقيت في قاعة الملكة عالية في الثاني من نيسان عام 1951 , أو قد يبدأ بالعام 1954-1955 إذ تم تأسيس قسم الإجتماع , على أننا إذ حرصنا على نوع من التسلسل التاريخي لا بد أن نذكر بأن أول كتاب عراقي عن علم الاجتماع لعبد الفتاح إبراهيم والذي صدر عام 1939 بل أن أياد القزاز يذكر بأن علم الاجتماع كان مادة تدريسية في العراق منذ عشرينيات القرن الماضي لكنه لايذكر دليلاً على ذلك .
أما بالنسبة للظروف التي نشأ بها علم الاجتماع ففي أواخر العقدين الرابع والخامس من القرن الماضي شهد العراق أحداثاً وتحولات مهمة منها تفاقم العداء بين المجتمع والسلطة ثم تتباعت أحداث وإضطرابات ( عمال شركة النفط 1946 ) وقد وصف تقرير للمخابرات البريطانية النخبة الحاكمة من العراق بأنها ( قلة متحكمة من مبتزي المال ) ولكن التطورات الاقتصادية والاجتماعية تسارعت في الخمسينات وأسهمت في التكامل التاريخي للبنية الاقتصادية والاجتماعية التقليدية فاوجدت مجموعات جديدة وبسبب عائدات النفط الكبيرة مما أدى إلى إزدهار الإعمار وتم تشكيل مديرية عامة للرعاية الإجتماعية في وزارة العمل وبعد إنشاء مراكز إجتماعية في الأحياء الفقيرة فإن المشكلات الاجتماعية تفاقمت مع إستمرار الهجرة إلى بغداد عام 1954 , فتعد سنوات الخمسينيات بيئة موائمة لنهضة فكرية وثقافية حددت معالم الطبقة الوسطى المتعلمة , كل هذه التحولات تؤكد أن المجتمع العراقي كان يحتاج بالفعل لعلم الإجتماع , ليشكل بحد ذاته مرجعية علمية رصينة .

  ثانياً / ماهي الموضوعات التي حظيت بإهتمام أساتذة الإجتماع في العراق ؟
ذكر الباحث أبرز موضوعات علم الإجتماع في العراق وهي كما يلي :-
1-    دراسة الشخصية العراقية .
2-    المرأة والأسرة .
3-    الريف والحضر والمدينة .
4-    علم الإجتماع والعلوم الأخرى .

ثالثاً / هل لعلم الإجتماع في العراق هوية مميزة ؟
في هذا المحور قام الباحث في إحدى دراساته السابقة  بطرح عدة أسئلة على (10) من أساتذة علم الاجتماع بإختلاف ألقابهم العلمية تساؤلات من ضمنها سؤالاً : ( هل هناك هوية مميزة لعلم الإجتماع في العراق ؟ ) وكانت الإجابة بنفي (8) منهم وجود مثل هذه الهوية المميزة غير أن إثنين منهم ذكر أن الرعيل الأول من الأساتذة حاول تحقيق ذلك , ثم أشار الباحث إلى مقولة د.متعب مناف مع علي الوردي : ( إن المدرسة العراقية في علم الاجتماع بدأت خلدونية إجتماعية وانتهت وردية تاريخية ) , ثم ذكر الباحث مراحل نشأة الهوية لعلم الاجتماع إبتداءً من سبعينيات القرن الماضي مروراً بثمانينيات القرن الماضي منتهياً بتأسيس بيت الحكمة في تسعينيات القرن المنصرم , ثم حدد الباحث بعض المؤشرات التي من خلاها يمكن إنجاح هوية متميزة لعلم الاجتماع في العراق وهي :-
1-    المضمون التاريخي سواء باستحضار إبن خلدون أو من خلال قراءة سوسيولوجية للتاريخ .
2-    التوجه العملي التطبيقي لأدوار أساتذة الاجتماع مع الاحتفاظ باستقلالية وموضوعية دراستهم .
3-    إن علم الاجتماع هو جزء لايتجزأ من منظومة مركبة ومنهجية تتألف من الأنثروبولوجيا والخدمة الاجتماعية وعلم النفس الاجتماعي .
4-    إن علم الاجتماع لايمكن أن يكون محايداً بالمعنى المجرد بل هو منحاز لمستقبل البلد ناقداً لحضارة ( مجتمعاً وسلطة ) .

رابعاً / ماهي معوقات مسيرة علم الاجتماع في العراق ؟
إختتم الباحث دراسته بهذا المحور مشيراً إلى أن معوقات الأمس تختلف عن معوقات اليوم بسبب تعدد أقسام الاجتماع والانثروبولوجيا والخدمة الاجتماعية مع إزدياد عدد الأساتذة فضلاً عن زيادة عدد الطلاب وتنوع المواد العلمية , فاختصر الباحث المعوقات التي تواجه علم الاجتماع في هذه الحقبة بالتالي :-
1-    إخفاق أساتذة علم الاجتماع بأن يكونوا جماعة علمية منسجمة .
2-    إخفاق أساتذة علم الاجتماع في أن ينظموا أنفسهم في إتحاد أو منظمة متخصصة .
3-    إفتقار معظم أساتذة علم الاجتماع إلى كفاءة التكلم والكتابة بلغة أجنبية .
4-    هناك مجالات محددة للنشر في العراق إلى جانب الكلفة العالية للطباعة وعدم توفر جهات موثقة للتوزيع فضلاً عن تراجع دور الجامعة في طبع نتاجات السوسيولوجيين على نفقتها .
5-    غموض العلاقة بين علم الاجتماع وعلم الانثروبولوجيا .
6-    تدهور معايير القبول للمتقدمين للدراسات العليا بالسنوات الأخيرة .
7-    عدم إطلاع طلاب الدراسات العليا على تاريخ اساتذتهم ورواد علم الاجتماع في العراق .
8-    وقوع علم الإجتماع في فخ الأدلجة .

2- أما الباحث أ.م.د. جعفر نجم نصر في بحثه الموسوم بــ(سوسيولوجيا النقد الديني أطروحات لتأسيس مدرسة نقدية عراقية ) نوه فيه عن إستمرارية الرؤية النقدية في السوسيولوجيا العراقية كانت وما زالت حكراً على الدكتور علي الوردي، وان كان الدكتور عبد الجليل الطاهر حاول تقديم رؤية نقدية للشخصية العراقية، وان جاءت متأخرة كثيراً عن اشتغالات الوردي، وعلى الرغم من ذلك إلا اننا، نجد الدكتور معن خليل عمر يصنف الوردي ضمن سياقات الباحث الثنائي (وذلك لاستخدامه مفاهيم اجتماعية ثنائية مترادفة ذات مضامين متعاكسة مثل البدو/ الحضر/ الشيخ/ الفلاح...الخ) في حين يقدم الانثروبولوجي العراقي المؤسس والرائد الدكتور شاكر مصطفى سليم بوصفه باحثاً ناقداً لأنه بحسب رأيه: "مارس النقد الاجتماعي لاحداث سياسية متصارعة في جريدة الحرية، اثارت انتباه قراء الجماعات المتصارعة وكان نقده احادي الجانب أي انه انطلق من الجانب القومي ضد الجانب الشيوعي والمسؤولين السياسيين أبان حكم عبد الكريم قاسم فتعرض لمشاكل سياسية ومهنية أدت به إلى السجن والأبعاد والنقل من كلية إلى أخرى والفصل من الوظيفة ".
ثم قدم الباحث تساؤلاً : الوردي عالم اجتماع ما له والنقد الديني؟ وما له ومشروع الاصلاح الديني؟ فأجاب :- إن عمليات نقد الوردي الاجتماعية، ولاسيما ما يخص موضوعنا هنا (النقد الديني) نجد أنه لم يتعرض له بنحوٍ مباشر على الرغم من كتابته للكتاب المثير للجدل في حينها (وعاظ السلاطين)، اذ يرى ابراهيم الحيدري انه: "لم ينتقد الوردي الدين كعقيدة مطلقاً، وانما انتقد اولئك الذين لبسوا لباس الدين واستخدموا الدين كسلاح لتحقيق مصالحهم ومنافعهم وكذلك مصالح الطبقات العليا" .
وحتى عندما توجه الى موضوعة "مظاهر التدين في العراق" ضمن أحد فصول كتابه (الأهم سوسيولوجياً) وهو دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، فانه تناول بالوصف والتحليل تلك المظاهر ، وانغمز من قناتها بسخرية مبطنة كما هو دأبه في اغلب كتبه، فضلاً عن انه تحدث عن تلك المظاهر ضمن سياقات اطروحته المركزية (الصراع بين البداوة والحضارة) , فضلاً على عدم إعتماده على أي منهج معرفي يتم الاستناد إليه بهذا الاصلاح نحن لا يعلم ومن أين بدأ وبماذا انتهى، أي الشروط الإنشائية والوعظية .إذ يمكن إيجازها على النحو التالي :
-    أولاً: ان الاصلاح يجب ان ينبعث من الداخل ولا يجوز أن يأتي من الخارجي (علماً ان اغلب حركات الاصلاح جاءت من خارج العراق!؟).
-    ثانياً: ان الذي يحاول الاصلاح (من هو؟ ما ادواته؟ لم يحدده بطبيعة الحال) يجب ان يتجنب فيه طريقة الارغام والاعتداء على الناس (وكأنه هنا يستحضر محنة خلق القرآن التي عاشها المعتزلة)!!؟.
-    ثالثاً: ان الاصلاح يجب ان تراعى فيه مقتضيات المجتمع وظروفه , (وكأنما الذي سيقدم على الاصلاح بنظره من خارج دائرة المعرفة العقلانية!؟ وانه لا يدرك اثر المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وحتى موضوعة النسبية الثقافية في أسس النقد الديني ومقوماته المعرفية/ الرصينة، علماً ان اطروحات محمد اقبال كانت امامه ولكنه لم يلتفت لأهميتها السوسيولوجية) .
ثم أكمل قائلاً : بعبارة موجزة الدكتور الوردي ليس ابن هذا الميدان، انه ليس ابن بجدتها ليقدم رؤى نقدية او اصلاحية للدين او التدين ضمن سياقات معرفية متقدمة لا تركن الى دورة التاريخ الخلدونية فحسب، والتي افتتن بها الوردي كثيراً مما جعلها تصبغ كل اعماله وبل نمط تفكيره.
وبعدها إختتم الباحث ورقته البحثية بمقترح تأسيس خط الشروع الأول نحو تأسيس فرع سوسيولوجي قائم بذاته عنوانه (سوسيولوجيا النقد الديني)، وذلك لعدم قدرة سوسيولوجيا الدين على هضم تمددات الظاهرة الدينية وتغولها ضمن مساحات تجاوزت الدين ومراميه الاساسية، فغدا بدوره عاجزاً عن اجراء عملية المفاصلة بين ما هو ديني/صرف وبين ما ديني/مؤدلج، او ديني معطل لضرورات التحديث، والذي اصبحت تقف منها (الظاهرة الدينية) بمثابة الند العنيد المتوسل بالنزعة الماضوية وبقدسية الزمن الدائري الذي ترتكز عليه والممثل بعصر الوحي وانبثاقاته (النص المقدس)، بمعزل عن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتي جعلت (النص الديني) امام عصر التأويلات النقدية الضرورية، والتي تعد حجر الزاوية الرئيس في سوسيولوجيا النقد الديني الذي نحن بصدده.

3- وإختتم الجلسة الأولى أ.م.د. مازن مرسول بورقته البحثية الموسومة بــ( مأزق السوسيولوجيا في العراق نحو اقصاءٍ واضح ومستقبل غامض ) إذ تكلم عن علم السوسيولوجيا ، بوصفه ذلك العلم الذي أوجد الحلول لكثير من مشكلات المجتمع الاوروبي والغربي آنذاك ، وايضاً عند تغلغله في نواحي المجتمع العربي اصبح له مكانة بارزة ، تبرز حيناً وتخبو حيناً آخر ، وذلك بحسب المشتغلين بهذا العلم ، لكن واقع الحال في المجتمع العربي ومن ضمنه العراق أظهر تردياً واضحاً لمكانة هذا العلم ، وكما نعلم ان الخلل لا يعود الى العلم بحد ذاته ، فهو يرتقي وفق عمل المشتغلين به ، وقد شهدنا وما زلنا تراجعاً ملحوظاً له ، باستثناء الحالات الفردية التي ابدعت حقيقية واستطاعت ان تعطي السوسيولوجيا حقها كعلم من خلال ربطها بالواقع المعاش .
يتطرق الباحث في هذه الورقة إلى فتح الباب أمام واقع السوسيولوجيا ومستقبلها في العراق , وبعد ذلك التعرف للمشتغلين في البحث السوسيولوجي ، وأيضاً تكلم عن  ضمور رؤية واضحة نحو تأسيس مدرسة سوسيولوجية واعدة , واخيراً متطلبات تحقيق سوسيولوجيا ناهضة في العراق .
قدم الباحث نظرته لواقع السوسيولوجيا ومستقبلها في العراق بوصف السوسيولوجيا كعلم يُدرَّس في أغلب الأحيان في الجامعات أكثر من ان تطبق اطروحاته وتنظيراته على واقع هذا المجتمع الذي يزخر بالتناقضات والاشكاليات، رغم وجود عدد من الدراسات السوسيولوجية التي تناولت واقع المجتمع بحرفية نوعية الا انها مع هذا الكم الهائل من المشتغلين الذين هم بعيدون كل البعد عن السوسيولوجيا قد لا نلحظ جهدهم كثيرا , فضلا عن عدم الاهتمام المؤسسي بمثل هكذا علم ، وعدم نقد المشتغلين به لانفسهم ولاعمالهم ولنتاجاتهم البحثية .
 
وبعد ذلك أشار الباحث إلى محور الورقة الثاني وهو التعرف للمشتغلين في البحث السوسيولوجي  مشيراً ألى أن ما نواجهه في العراق اليوم ومنذ مدة ليست بالقصيرة هي اغتراب المشتغل بالبحث السوسيولوجي عن واقعه ، وحصر اهتماماته في جوانب هامشية او جزئية في الحياة الاجتماعية ، الأمر الذي لا يجعل هذا العلم أن يرتقي إلى مستوىً عالٍ من التنظير ، بحيث يمكَّنه من التفسير الشمولي لظواهر المجتمع , اذ أنه بدون مبالغة يمكن القول ان ما يقوم به الباحث السوسيولوجي اليوم هو في وادٍ وظواهر المجتمع في وادٍ آخر مع الاشارة إلى العديد من المحاولات الجادة في ميدان السوسيولوجيا المرتبطة بثبات بالواقع العراقي المعاش ، لكنها قياساً بما ملاحظ فهي قليلة ولا تؤدي الى رفعة ونضوج هذا العلم في العراق الامر الذي أدى إلى جلب الكثير من طلبة العلم إلى هذا التخصص ليأخذوا صفة الباحثين دون معرفة مسبقة لهم بما يعنيه وما يجب أن يتصرفوا به حيال المجتمع , لذلك لا يمكن عد السوسيولوجيا كعلم على أنها قاصرة في فهم الواقع الاجتماعي العراقي .
بين الباحث في المحور الثالث لورقته البحثية بشأن ضمور رؤية واضحة نحو تأسيس مدرسة سوسيولوجية واعدة مستنتجاً أنه لما كانت التوجهات البحثية القائمة على السوسيولوجيا لا ترقى الى توظيف مقدَّرات هذا العلم بالشكل المناسب ، مع وجود ثلة من الباحثين غير الملتزمين بالبحث العلمي الجاد وعدم قدرتهم على الولوج في ميدان العلم بقوة ، وانما وضعتهم الاقدار وما مر به هذا المجتمع في طريق السوسيولوجيا وعدَّوا انفسهم باحثين ليس الا ، وعلى اساس كل ذلك فمن المؤكد ان النظر لمحاولة تأسيس مدرسة في علم الاجتماع في المناخ الفكري العراقي امراً صعباً نوعا ما ، ليس لعدم وجود بعض الباحثين الجادين من الذين استطاعوا ان يوظفوا هذا العلم بصورهِ الصحيحة ، وانما لتفشي وضعية تسطيح هذا العلم وعدم ربط مبتغياته بأزمات المجتمع ومشكلاته ، وابتعادهم عن السلَّم العلمي بل هم دخلاء عليه .
وفي نهاية الورقة البحثية للدكتور مازن مرسول  تكلم عن متطلبات تحقيق سوسيولوجيا ناهضة و فاعلة في العراق موقناً بأن القيام بالتأسيس لسوسيولوجيا فاعلة جداً في العراق يحتاج الى تكاتف الجهود لغرض تحقيق هذا الهدف ، فالأمر هو ليس تشخيص قريب المدى وانما محاولة لرصد ما هو ابعد بخصوص واقع ومستقبل هذا العلم في المجتمع ، أي يجب معالجة وتشخيص علل المجتمع من خلال السوسيولوجيا ، دون الاكتفاء بالتطرق لها نظريا والاعتماد على التنظيرات الغربية والاوروبية , أيضاً لابد من إعتماد قوالب خاصة تتناسب والمجتمع العراقي دون مطابقة النماذج الغربية لواقع حال المجتمع ، كذلك لابد من إعلاء شأن العلم من خلال التسلسل الأكاديمي وعكس سمعة طيبة له بما يحققه العاملون به ، ومحاولة استقبال طلبة العلم ممن هم ذوو كفاءة من دون جعله كتخصص يستقبل الطلبة من ذوي الكفاءة المتدنية ، الأمر الذي لا يولَّد الابداع به .

بعد إنتهاء وقائع الجلسة العلمية الأولى بمحورها الإجتماعي فتح رئيس الجلسة أ.د. سلام عبد علي باب الحوار والمداخلات للحضور والذين أسهموا في إغناء الجلسة من خلال تساؤلاتهم ومداخلاتهم العلمية بمنتهى الشفافية والأناقة .
         

﴿   ثانياً / وقائع الجلسة الثانية/المحور الانثروبولوجي   ﴾

 ابتدأت الجلسة الثانية في الساعة (12،15) ظهراً ، برئاسة أ.د. كريم محمد حمزة ،وبمعية المقرر الباحث فراس عبد الجبار وقد نوقشت خلال هذه الجلسة ثلاثة بحوث هي كالآتي:-
 
1-      أ.م.د فريدة جاسم و أ.م. د. ذكرى جميل حسين / إشكاليات الدرس الانثروبولوجي في العراق .. رؤيـا نقديـة
2-    أ.د ناهدة عبد الكريم حافظ / الخدمة الاجتماعية في العراق الوضع الحالي وتوقعات المستقبل
3-    أ.د. سلام عبد علي / مستقبل الخدمة الاجتماعية في العراق .

ونورد أدناه التفاصيل :
 
1-    إفتتحت الدكتورة ذكرى البناء وقائع الجلسة الثانية ببحثها المشترك مع عميدة كلية الآداب أ.م.د.فريدة حسن جاسم الموسوم بـ (  إشكاليات الدرس الانثروبولوجي في العراق .. رؤيـا نقديـة ) إذ أوضحت ارتباط ظهور الدرس الانثروبولوجي في العراق تاريخياً بالدكتور شاكر مصطفى سليم الذي درس في جامعة لندن وحصل منها على درجة الدكتوراه عن اطروحته الموسومة (الجبايش) ويُعَّد أول من حاول تقريب هذا الحقل من الطلبة ومن عوام الناس أيضاً حين القى سلسلة محاضرات جمعها فيما بعد تحت عنوان(محاضرات في الانثروبولوجيا) نشرها عام 1959 في بغداد .
وأشارت إلى أنه على امتداد ستة عقود ظلت الانثروبولوجيا لصيقة بعلم الاجتماع سواء على مستوى التدريس او الكتابة التعريفية الا ان ذلك لم يمنع او يحول من دون تطورها واتساع مجالات اهتمامها وإقبال الطلبة على موضوعاتها فأصبح قسم الاجتماع في كلية الاداب/جامعة بغداد يوفر للطلبة فرصة الحصول على شهادة بمستويات البكلوريوس والماجستير والدكتوراه (الى ماقبل سنوات قليلة) بل أن قسماً خاصاً بالأنثروبولوجيا أُنشئ بكلية الآداب في الجامعة المستنصرية وهو تطور لافت يعكس الأهمية التي حظي بها العلم ، على ان ذلك كله لم يكن يمضي على طريق من حرير لان العلم لايمكن ان ينمو وان يتقدم ويثمر الا اذا وجد بيئة تتوفر فيها التسهيلات المناسبة وفي مقدمة ذلك المؤسسات والمراكز العلمية وفرص النشر ومنابر النقاش والحوار والمؤتمرات وغيرها ومن المؤسف القول أن علوم الإنسان والمجتمع لم تجد في العراق مثل هذه البيئة وان اساتذة وطلبة هذه العلوم يغتربون عنها وترهقهم مشاعر العجز عن الابداع فيها .
حاولت الباحثتان في هذه الـدراسة التأسيس لقضيتين رئيستين :
أولهما : أننا في هذه المرحلة ، وفي ضوء مخرجات نصف القرن الذي مضى وعقد من هذا القرن مازلنا لم نفك الاشتباك بين الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع ، واذا كان ذلك بمثابة نتيجة فرضت على مسيرة العلمين ، فان هذه الدراسة تستند الى رؤية مفادها ان من غير العملي اقامة تمييز يجعل كلا من العلمين معزولاً عن الاخر .
ثانيها : ان هناك إشكالات مهمة تواجه الانثروبولوجيا وينبغي النظر اليها بموضوعية وصراحة والعمل على ايجاد حلول مناسبة لها .
في سياق القضيتين المشار إليهما كان لابد من التدليل على أن القرابة بين العلمين هي تحصيل حاصل حتى في دول أخرى وان الإصرار على القطيعة التامة بينها هو نوع من الانتقائية  التي لا تنسجم مع منطق العلم والعقلانية , ان وجود أقسام مستقلة للأنثروبولوجيا قد يكون دليلاً على نشاط أساتذتها لكنه بالتأكيد لايكفي وحده بل لابد من اثبات فرضية مفادها أن الانثروبولوجيا في العراق قد أصبح تعبيراً عن حاجة حقيقة للمجتمع العراقي في ضوء تحولاته الراهنة .



قسمت الباحثتان البحث إلى ثلاثة محاور وخاتمة وكما يأتي :-
المحور الأول– الانثروبولوجيا وجدل العناوين .
المحور الثاني – المرجعيات العلمية للانثروبولوجيا في العراق .
المحور الثالث : اشكالات تواجه الانثروبولوجيا في العراق .
الخـاتمـة :
تطرقت الباحثتان في المحور الأول إلى دراسة نقاط عدة أهمها :-
-    ماهي وجهة النظر السائدة في العراق ؟
من الاجابات الواضحة في الادبيات العراقية ما اورده الدكتور قيس النوري بالقول : تكاد العلوم الاجتماعية والانسانية تشترك في ظاهرة مركزية واحدة تتمثل في القلق التنظيري والمنهجي الذي يجعل اساليب البحث فيها غير مستقرة ومثيرة للجدل ومراعاة للانقسام ، فقد انقسم الباحثون منذ نصف قرن بين متعصب للتوجه الثقافي Cultural Approach  كونه ضمن الامبريقية وموضوعية البحث بينما فضل آخرون التوجه الاجتماعي Social Approach الذي رأوا فيه ضمانة اكبرللسيطرة الميدانية ومع ذلك فان النوري إذ ينتقد طريقة (الملاحظة بالمشاركة) كأداة لجمع البيانات في الدراسات الحقلية , غير أن الدكتور متعب مناف يبدو في حال تفضيل لثنائية الأنثروبولوجيا / الإثنولوجي مع أنه في الوقت نفسه يشير إلى أن دراسات الأنثروبولوجيين / الإثنولوجيين أثرت في نظرائهم إذ اقتربت الإثنولوجيا التي لم تقف عند حدود دراسة المجتمعات المختلفة / التأريخية الى دراسة ( إثنو أنثروبولوجيا ) أو في الأقل ثقافية أنثروبولوجية , ويرى الدكتور مناف ان الدراسات الانثروبولوجية تدخل في نزاع مع السوسيولوجيا حين يتعلق الامر بدراسة المجتمعات المصنعة , بالمقابل كان الدكتور شاكر مصطفى سليم يستخدم مصطلح الانثروبولوجيا بالترادف مع مصطلح الاثنولوجيا حين يشير الى الحاجة الملحة الى القيام بكثير من الدراسات الانثروبولوجية لان بلدنا يزخر بعدد كبير من المجتمعات والشعوب المتأخرة .
-    ومن كل ما تقدم تظهر حقائق جلية لعل أهمها :

أ‌-    إننا في أي مراجعة لهذه الادبيات نجد ان كبار اساتذة العلم يركزون على الصلة الوحيدة بين الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع , وفي اعتقادنا ان التجربة الاجتماعية للإنسان وتكوينه البايولوجي تقود علوم الانسان والمجتمع ( الانثروبولوجيا – علم الاجتماع – علم النفس –البايولوجي خاصة) الى مدخل منهجي ومعرفي مركب ومتكامل .

ب‌-    ان الادبيات الانثروبولوجية تظهر تداخلاً معقداً بين المصطلحات ويبدو من خلال مراجعة تلك الادبيات ان تقاليد كل بلد (بريطانيا و امريكا مثلا) رسخت توجهات معرفية معينة قد لاتتطابق مع توجهات - البلد آلاخر .

المحور الثاني – المرجعيات العلمية للانثروبولوجيا في العراق:-

1-    في التاريخ :
من مقولات علم اجتماع المعرفة أن المجتمع الانساني هو البيئة التي تظهر وتنمو فيها الأفكار المختلفة أياً كان قربها أو بعدها عن العلم إذ من الصعب أحياناً أن تفض التداخل المعقد بين العلم واللاعلم أو بين العلم والفلسفة.

2- الهوية :
هل الأنثروبولوجيا في العراق على وجه الخصوص هوية تميزها عن علم الاجتماع ؟ أقصد بالهوية هنا ما يرادف الأنموذج المعرفي (ابرادايم) الذي يجعلُ حقلاً علمياً معيناً مميزاً بموضوعه ومناهجه ومضامينه المعرفية عن أي علم آخر مقارب له في الماضي كان التمييز بسيطاً وشائعاً وهو أن الأنثروبولوجيا تدرس المجتمعات البدائية أو البسيطة فيما يدرس علم الاجتماع المجتمعات المعقدة.
ثالثاً : إشكالات تواجه الانثروبولوجيا في العراق :
1-     الفصام بين النظري والميداني .
2-    ضعف الدور المجتمعي لعالم واستاذ الانثروبولوجيا .
3-    الموقف غير المشجع للدولة .
4-    الافتقار الى المراجعة التقويمية للمنتج الانثروبولوجي .
5-    الاشكال المؤسسي .
6-    اشكال ضعف التواصل مع مراكز انتاج المعرفة .
7-    الإشكال المعرفي .

الخاتمة :
وقد إختتمت الباحثتان البحث بأنه من المستحيل قراءة مسيرة علم الانثروبولوجيا في العراق في ضوء المتاح من الوقت لهذه الدراسة ولذلك آثرنا ان نبدأ برؤية عامة تعكس حقيقة ان العناوين التي تزدحم بها ادبيات الانثروبولوجيا تعبر عن درجة من الفوضى الاصلاحية و غموض الاطر المرجعية التي ربما تجاوزتها الدوائر العلمية في بعض المجتمعات الا ان ظلالها القاتمة مازالت ملقاة على هوية العلم في العراق .
إنَّ مراجعة تلك المسيرة تطلبت العودة الى التاريخ الذي ابتدأ حوالي منتصف خمسينيات القرن الماضي مقترناً بجهود رواد مثل الدكتور علي الوردي و الدكتور حاتم الكعبي و الدكتور شاكر مصطفى سليم وقد كان للأخير فضل البدء بأولى خطوات مسيرة العلم من خلال منجزات علمية مهمة كان أولها اطروحته              ( الجبايش ) ثم القاموس المهم , لم يكن من الانصاف ان نتغاضى عن جهود استاذين كبيرين هما الدكتور قيس النوري والدكتور علاء الدين جاسم إذ أن معظم الانثروبولوجيين العاملين اليوم هم من الذين تتلمذوا على ايديهما في قسم (علم الاجتماع الأم) الذي مازال حتى اللحظة الحاضنة الرئيسة للأنثروبولوجيا في العراق على الرغم من تأسيس قسم للأنثروبولوجيا في كلية الآداب بالجامعة المستنصرية .
إن تأسيس ذلك القسم وما واجهته الدراسة الانثروبولوجية في قسم علم الاجتماع بكلية الاداب جامعة بغداد جعلنا نطرح أسئلة ضرورية عن علاقةالانثروبولوجيا بعلم الاجتماع وما اذا كان من المفيد انقطاعهما عن بعضها او توأمتهما كحقلين يكمل أحدهما الاخر كذلك مررنا على ماأسميناه الاشكاليات التي تعيق الدرس الانثروبولوجي في العراق نأمل ان تكون الدراسة مفيدة كمادة للحوار والمناقشة وليس على أساس ان الاراء التي وردت فيها من المسلمات , شاكرين لبيت الحكمة مبادرته المهمة ودوره في تطوير العلوم الاجتماعية في بلد يحتاجها أشد الاحتياج .




2- أما أ.د ناهدة عبد الكريم حافظ شاركت ببحثها الموسوم بـ( الخدمة الاجتماعية في العراق الوضع الحالي وتوقعات المستقبل ) إذ عرفت الخدمة الاجتماعية على أنها جهد منظم يسعى إلى حل مشكلات معينة أو الحيلولة دون ظهورها، أو الحد من احتمالات تعقيدها واتساعها.
وأشارت إلى أنها في هذه الدراسة لم تذهب بعيداً في مجال المراجعات النظرية إذ أن عنوان الدراسة ألزمها بقضيتين :-
الأولى : الوضع الحالي... وهي قضية واسعة متعددة الصفحات ينبغي اختصارها لتشكيل تصور واضح عما نعنيه بالخدمة الاجتماعية على صعيد التجربة العملية.
الثانية: الآفاق المستقبلية للوضع القائم في ضوء عدد من المتغيرات والتوقعات المحتملة.
وحاولت الباحثة في هذه الدراسة وفي سياق القضيتين تحديد ما يأتي :-
1-    المفاهيم: وأهمها التسمية الحالية للخدمة الاجتماعية وما يترتب عليها من تصورات نظرية واجراءات تطبيقية.
2-    العمل الاجتماعي بوصفه نسقاً يتطلب شروطاً والتزامات معينة .
3-    معالم الوضع الحالي للخدمة الاجتماعية أو العمل الاجتماعي في العراق .
4-    استشراف مستقبلي من خلال المشكلات المتوقعة أو القائمة .
5-    بعض المقترحات العملية .

1-    المفاهيم: في العراق تتداخل مفاهيم عِدَّة ذات مؤشرات علمية أو تطبيقية متقاربة فمنذ عقود تأسس قسم للخدمة الاجتماعية حتى قبل إنشاء جامعة بغداد , ومازالت هذه التسمية سائدة ومستخدمة في قسم الاجتماع في كلية الآداب ويبدو أن قسم الأنثروبولوجيا التطبيقية في الجامعة المستنصرية في طريقه لإستحداث درس في الخدمة الاجتماعية ، غير أن بعض أساتذة الاجتماع والخدمة يفضلون مفهوم العمل الاجتماعي social work بدلاً من social services بل ويميل بعضهم إلى ترجمة المصطلح الثاني إلى : عمل اجتماعي ، وفي اعتقادي ان مصطلح social work أكثر وضوحاً من حيث ارتباطه بحقيقة الجهد الذي يبذله الإختصاص بوصفه يقوم بـ (عمل) اي بممارسة منظمة ذات أهداف محددة وليس مجرد خدمة عابرة .
    في العراق وبغض النظر عن التسمية ، توجد اجراءات وآليات عدَّة لا تنفصل كلياً عن مضمون العمل الاجتماعي ولعل في مقدمتها مفهوم الرعاية الاجتماعية (أو الرفاهية الاجتماعية) وكذلك مفهوم الحماية الاجتماعية، والى حد ما الضمان الاجتماعي ولدينا في العراق اليوم إذن ثلاث تسميات :-
أ‌-    الخدمة الاجتماعية: وهي جهد مؤسس – غالباً ما يكون إيوائياً- يشتمل على برامج تتناسب مع أوضاع المودعين (مثل مؤسسات رعاية المعاقين والأيتام وكبار السن وهم جميعاً يطلق عليهم في وزارة العمل: ذوي الاحتياجات الخاصة بإدارة مديرية عامة).
ب‌-    رعاية اجتماعية: أو شبكة حماية اجتماعية ، وتتعلق حصراً بالفقراء الذين لا تكفيهم دخولهم أو عديمي الدخل وهي أيضاً بإدارة مديرية عامة تدفع مساعدات نقدية.
ت‌-    لجنة وزارية عليا – بمساعدة لجنة فنية – تعمل على التخفيف من الفقر في العراق بإقامة مشاريع سكنية وصحية وتعليمية ومشاريع قروض صغيرة ومتوسطة للفقراء طبقاً لخط الفقر البالغ (105) الاف /فرد/ شهرياً.

2-    العمل الاجتماعي بوصفه نسقاً يتطلب شروطاً والتزامات معينة .
يعرف النسق الاجتماعي بكونه: شبكة من العلاقات بين الأفراد والجماعات , فهو مجموعة من الفاعلين (أفراداً أو جماعات وحتى مجتمعات) تنظم بينها علاقات اجتماعية مستقرة وتحكم التفاعل بين الفاعلين مجموعة من العناصر أهمها :-
1-    التوقعات المتبادلة بين الفاعلين .
2-    القيم والمعايير التي تحكم التفاعل وتحدد شكل التوقعات المتبادلة .
3-    الجزاءات التي تظهر في أشكال من الثواب والعقاب فتحقق درجة من ضبط التفاعل .

3-     معالم الوضع الحالي للخدمة الاجتماعية أو العمل الاجتماعي في العراق .
في ضوء عناصر النسق المشار إليها يمكن أن نشخص أهم معالم الوضع الحالي للعمل الاجتماعي في العراق :-
أ‌-    التمويل .
ب‌-    التكامل .
ت‌-    نظام للمكافآت والجزاءات .
ث‌-    الاخصائي الاجتماعي .

4-    استشراف مستقبلي من خلال المشكلات المتوقعة أو القائمة .
أ‌-    التحولات في طبيعة النظام السياسي .
ب‌-    التحول نحو اقتصاد السوق .
ت‌-    مشكلات اجتماعية جديدة أو مستمرة تراكمياً .

5-    وأخيراً قدمت الباحثة بعض المقترحات العلمية أهمها :-

-    أولاً: من الضروري وفي ضوء المبادئ التي أقرها دستور العراق الدائم لعام 2005 وانسجاماً مع التوجه نحو اقتصاد السوق وتراجع مركزية ادارة الدولة للمجتمع فسح المجال للعمل الطوعي الممول من رؤوس الأموال الخاصة أو من قبل منظمات مجتمع مدني , والواقع أن هذا التوجه ليس جديداً تماماً إذ قامت منظمة أرض الانسان الفرنسية بفتح مركز استقبال ورعاية نهارية وعمليات دمج أسري، كما كانت هناك تجارب لافتتاح دور للايتام في بغداد. ان العمل الاجتماعي الطوعي لا يخفف من الأعباء المالية على الحكومة فقط بل هو يعطي للحكومات المحلية فرص التعامل مع مشكلاتها طبقاً لأوضاعها الاجتماعية والثقافية , فضلاً على أن العمل الطوعي يوفر للمجتمع فرصة الاسهام في حل مشكلاته وليس الاعتماد على الحكومة المركزية فقط .
-    ثانياً: من المهم إعادة النظر باجراءات التدريس النظري والخبرات العملية للأخصائيين الاجتماعيين وهم في مرحلة الدراسة الجامعية والتأكيد على تزويدهم بالمعلومات والتجارب الحديثة وتهيئة فرص تدريبهم عملياً قبل تخرجهم عن أن يكون ذلك التدريب في نفس المؤسسات التي يؤمل لهم العمل فيها مستقبلاً , ان الدور الخطير للأخصائي الاجتماعي يتطلب بذل المزيد من الجهد الاكاديمي سواءً أكان داخل العراق أم خارجه وعدم الإكتفاء بالمقررات الدراسية القديمة.
-    ثالثاً: في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مركزاً للبحوث لكنه قاصر عن أداء واجباته البحثية والتقويمية لأسباب عدَّة لا مجال لشرحها في هذه الدراسة الموجزة , لذا من المهم تفعيل أنشطة للقيام بدراسات تقويمية لأنشطة مؤسسات العمل الاجتماعي ورصد مشكلاتها واقتراح الحلول المناسبة لها إلى جانب أن هذا المركز يستطيع – اذا تم تطويره- أن يتعاون مع أقسام الاجتماع والخدمة لتنظيم دورات تدريبية للإخصائيين الاجتماعيين لتنمية معارفهم وخبراتهم.
-    رابعاً: مع ان القوانين والأنظمة النافذة التي تنطوي على توصيفات لأنشطة الإداريين والاخصائيين الاجتماعيين فإن من الضروري القيام بدراسة تقويمية لأنشطتهم ووظائفهم الفعلية والعمل على ممارسة اختصاصهم الحقيقي وعدم إشغالهم بأعمال غير تلك الموصوفة إدارياً وفنياً لهم , إذ أن الملاحظة الميدانية تشير إلى أن كثيراً من الأخصائيين يقومون بأنشطة لا علاقة لها باختصاصاتهم.
-    خامساً: تؤكد الخبرة الدولية على ضرورة إيجاد بدائل للعمل الاجتماعي المؤسسي من ذلك مثلاً مؤسسات رعاية الأطفال الايتام أو مؤسسات ايداع الأحداث الجانحين أن تلك الخبرة تؤكد على عمليات الدمج الأسري سواء كانت الأسرة أصلية أم بديلة واستخدام عقوبات بديلة بدلاً من الإيداع في الإصلاحية.

3-البحث الثالث في الحلقة كان لـ أ. د. سلام عبد علي بعنوان (مستقبل الخدمة الاجتماعية في العراق ) الذي استهدف من خلاله تسليط الضوء على أهمية تحديد اهتمامات علم الاجتماع في العراق على مدى العقود السابقة بفروعه وتخصصاته المختلفة بموضوعات ومفردات تكاد تكون متشابهة ، وحتى وقت قريب كانت بعض جوانب الغموض تكتنف الحدود والمجالات المعرفية بين التخصصات المختلفة ، ولقد ظل هذا العلم والمجالات المعرفية المرتبطة به في العراق خجولاً احياناً ومتحفظاً احياناً اخرى من استحداث مواد أو مفردات جديدة لموضوعاته المعرفية المختلفة ، ولكن هذا الحال لم يدم طويلاً إذ  كان لابد تغيير ذلك عبر الاستجابة للتحديات العلمية والمعرفية التي فرضت نفسها على واقع الحياة في عالمنا المعاصر ، ولقد صار لزاماً على علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية استيعاب الكثير من الموضوعات الاجتماعية والحياتية المهمة التي تزامنت مع التطورات والتغيرات الكثيرة التي شهدها المجتمع المعاصر محلياً وعالمياً .
   في ظل هذا التصور قدم الباحث تساؤلات عدّة منها :- ما طبيعة العلاقة بين مخرجات علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في العراق ومتطلبات سوق العمل ؟ بل قبل ذلك ما معطيات اسواق العمل في العراق ؟ وما طبيعتها ؟ وما هي اتجاهاتها ؟ وما منطلقاتها ؟ وما مرجعيتها الفكرية والإجرائية ؟
-    ما حقيقة الواقع التعليمي في العراق ؟ وما ابرز مساراته واتجاهاته ؟ ما أسسه ومبادئه و منطلقاته ؟ وما نوع التعليم المطلوب في سوق العمل في العراق الراهن ؟
-    وما اهم الخطوات التي ينبغي اتخاذها لتطويع التعليم في العراق من أجل أن يستجيب لمتطلبات سوق العمل ؟ وكيف يمكن الارتقاء بواقع اسواق العمل هذه من أجل تحقيق بعض مؤشرات العدالة في الانتاج والتوزيع ؟ وهل بالإمكان توزيع المردود المادي للعمل على أساس الاستحقاق في ظل سوق لا تعترف بغير منطق الربح ؟
وقد توصلت الباحثة إلى أن هذه الاستفهامات وغيرها يمكن أن تحدد لنا بشكل مبدئي طبيعة العلاقة بين الخدمة الاجتماعية وبين سوق العمل ، وعلى مايبدو ان هناك اشكالية تكاد تتحد بغياب التوافق بين نوع التعليم ومتطلبات سوق العمل في اكثر البلدان النامية ومنها العراق , وبسبب غياب عناصر التعليم المستمر والتدريب والتأهيل التي يفترض ان تستوعب مجمل التغيرات والتطورات التي تحدث في سوق العمل، فضلاً عن عدم تناسب نوعية التعليم مع متطلبات سوق العمل .
      وبعدها أشار الباحث إلى الخدمة الاجتماعية ؤممارستها الميدانية ، التي تمأسست من خلال تاريخها بنماذج التدخل المهني وقدرتها على التعامل مع المشكلات والمواقف الاجتماعية، اذ تسعى إلى التدخل مع الأفراد وكذلك التدخل مع البيئة المحيطة وذلك بهدف تحقيق نوعين من الأهداف العامة وهي:
1/ أهداف معنوية : وهي تلك الأهداف التي توجه لتغيير المواطنين أنفسهم وإكسابهم المهارات والعادات السلوكية الايجابية التي تمكنهم من مواجهة المشكلات الحياتية فضلاً على الإسهام في المشروعات التنموية بطريقة فاعلة .
2/ أهداف مادية : وهي تلك الأهداف التي توجه نحو البيئة ، مثل الإسهام في إقامة المشروعات التي من شأنها إحداث تغييرات في البيئة لصالح المواطنين وتطوير وتنمية المجتمع في القطاعات المختلفة لعلاج المشكلات الاجتماعية وتغيير أو تنمية الأنظمة الاجتماعية ، عن طريق التخطيط والتنظيم الصحيح في عملية تنفيذ الأهداف .
وفي ختام البحث توصل الباحث إلى إمكانية التعامل مع موضوعة مستقبل الخدمة الاجتماعية وفقاً لما يأتي :-
1-    ماهية الخدمة الاجتماعية ومجالها المعرفي :- ليس هناك من جدل على أن لكل علم أو مجال معرفي دور إيجابي معين في مسيرة الحياة الانسانية وتطورها والإرتقاء بواقعها .
2-    الاستحقاق والقدرة على التغيير :- ما زالت الخدمة الاجتماعية بعيدة نسبياً عن اداء دورها الريادي في المجتمع العراقي .
3-    الصورة التقليدية للخدمة الاجتماعية :- يبدو ان الخدمة الاجتماعية ما زالت تعاني صعوبات كثيرة وتواجه تحديات كبيرة ، وقد يكون التحدي الابرز في هذا الصدد هو المكانة التي تحظى بها الخدمة الاجتماعية في المجتمع العراقي .
4-    الحدود المعرفية والتخصص الدقيق :-يبدو للوهلة الاولى ان الخدمة الاجتماعية تستند في اطار عملها إلى قواعد وأسس علمية ثابتة من أجل تسويق معرفتها لاسيما في المؤسسات الاكاديمية المختصة في هذا الحقل المعرفي .




5-    واقع البحث في مجال الخدمة الاجتماعية : يعاني البحث في مجال الخدمة الاجتماعية من صعوبات نظرية ومنهجية عدة بعضها يرتبط بطبيعة الخدمة الاجتماعية بوصفها مهنة وعمل انساني يجري تقديمه على ارض الواقع .
وأخيراً فتح رئيس الجلسة أ.د. كريم محمد حمزة باب الحوار والمداخلات والتساؤلات للسادة الحضور بعدها قدمت عمادة كلية الآداب شكرها وتقديرها لبيت الحكمة وللأساتذة المشاركين في هذا النشاط العلمي المتميز ثم إختتمت وقائع الحلقة بتوزيع كتب الشكر والتقدير من عمادة كلية الآداب للسادة المشاركين في هذا النشاط .

 

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر