الأهوار في العراق ..بين التدهور والاستدامة

2016-09-21

 الأهوار في العراق ..بين التدهور والاستدامة

ندوة اقامها قسم الدراسات الاجتماعية



( الأهوار في العراق ... بين التدهور والاستدامة )

يشير مفهوم بيئة الأهوار إلى البيئة بجانبها (الطبيعي والاجتماعي) وكلا الجانبين يكمل بعضهما الأخر من ناحية التأثير المتبادل بين الإنسان والبيئة وأي كان نوع هذا التأثير المتبادل سواء كان سلبا أو إيجابا فانه يشير إلى عملية التكيف التي يمارسها الإنسان مع البيئة الطبيعية والتي تتخذ في الغالب عملية تطويع لها من خلال تكريس موجودات البيئة لصالح تحقيق أهداف الإنسان ومن الطبيعي ان لا يخلو هذا الأمر من عمليات إلحاق الأذى بالبيئة الطبيعية من خلال الممارسات الفجة التي يقوم بها اغلب أفراد المجتمع الأهواري للحصول على مصادر رزقهم ومثال على ذلك عمليات الصيد الجائر للأسماك والطيور فضلا عن السياسات الخاطئة والمدمرة والمتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921م تجاه الأهوار لاسيما مع بداية العقد السابع من القرن العشرين وما تلاه والتي ساهمت بشكل سريع وملحوظ في تدهور بيئة الأهوار وقد عدت تقييمات الظروف البيئية أن تحطيم مناطق الأهوار هو احد أهم الكوارث البيئة والإنسانية التي واجهت وتواجه المجتمع العراقي كما أشارت لذلك تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومبادرة تقييم احتياجات إعادة بناء العراق التي قامت بها الأمم المتحدة والبنك الدولي مما يتطلب جهدا وطنيا عراقيا يعمل على النهوض بواقع الأهوار وإدامتها, وبناء على ما تقدم :-
عقد قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة بالتعاون مع قسم الاجتماع –كلية الآداب-جامعة ذي قار الندوة العلمية الموسومة(الأهوار في العراق....بين التدهور والاستدامة)وذلك على قاعة رئاسة جامعة ذي قار يوم الاثنين الموافق 15/8/2016.
حضر الندوة السيد محافظ ذي قار ونائبه والسيدان معاونا رئيس الجامعة للشؤون العلمية والإدارية وعدد من عمداء الكليات والأكاديميين وبحضور إعلامي ونخبوي متميز.
ابتدأت وقائع الندوة في الساعة العاشرة صباحا بقراءة آيات من الذكر الحكيم،تلا ذلك كلمة السيد محافظ ذي قار السيد يحيى الناصري، حيث رحب السيد المحافظ في بداية كلمته بالسادة الحضور واستعرض في كلمته تاريخ محافظة ذي قار بوصفها مسقط أهل الأرض حسب ما ذكره المؤرخون ،فيها بنيت وشيدت أولى الحضارات ومنها تعلم العالم الحروف والكتابة ورغم الظروف القاسية والمحن والشدائد التي مرت بها المحافظة ببيئاتها المختلفة ومنها بيئة الأهوار على مر التاريخ إلا أنها صمدت واستمرت وحافظت على هويتها الثقافية والحضارية المميزة. وأعرب في نهاية كلمته عن أمله بان يتمخض عن هذه الندوة نتائج وتوصيات يمكن اعتمادها وترجمتها على ارض الواقع.
تلا ذلك كلمة السيد رئيس جامعة ذي قار ا.د.رياض جبر شنته ألقاها بالنيابة عنه السيد مساعد رئيس الجامعة للشؤون العلمية ا.م.د.عبد الكريم نيازي تحدث في كلمته عن دور جامعة ذي قار رغم حداثة نشأتها في احتضان ورعاية النشاطات العلمية في مختلف الاختصاصات وبما يخدم الفرد والمجتمع واستعداد الجامعة ودعمها لأي نشاطات مشتركة مع المؤسسات العلمية والأكاديمية المرموقة كمؤسسة بيت الحكمة معربا في الوقت ذاته أن تكون هذه الندوة هي باكورة تعاون مثمر ومستمر بين الجانبين.
بعد ذلك ألقت ا.م.د.خديجة حسن كلمة بيت الحكمة وقد تناولت فيها أهمية موضوع الندوة وأسباب انعقادها في محافظة ذي قار مؤكدة على أن هذه الندوة هي رسالة علمية لإيجاد وسائل ناجعة لوضع البحوث العلمية في مجال استدامة الأهوار والمحافظة عليها من التدهور وان مد جسور التعاون مع الأطراف المعنية هو جزء أساسي من عمل بيت الحكمة من اجل الارتقاء بالبحث العلمي وإيصاله إلى الجهات ذات العلاقة تمهيداً لاعتماده بشكل رسمي والعمل على تنفيذه من خلال الخطط الموضوعة لإدارة ملف الأهوار .
عقب ذلك بدأت أعمال الندوة بجلستين علميتين تم فيها مناقشة أربع أوراق علمية كل في جلسة.
ابتدأت وقائع الجلسة العلمية الأولى للندوة في الساعة 10.30صباحا ضمن محورها الأول(البيئي والطبيعي)برئاسة ا.م.د.هيثم سالم عباس من جامعة ذي قار ومقررية الباحث علاء عكاب من بيت الحكمة لمناقشة الأوراق التالية:-
1.    الأهوار في العراق....نظرة عامة/د.فعال نعمة المالكي/رئاسة الوزراء/هيئة المصالحة الوطنية.
2.    أهوار جنوب العراق بين الاستدامة والتحديات/ا.متمرس.د.كاظم عبد الأمير الزيدي/كلية المستقبل الجامعة الأهلية.
3.    الخصائص الجغرافية العامة للأهوار الدائمية جنوب العراق/ا.متمرس.د.عبد علي الخفاف.
4.    التراث الثقافي لأهوار بلاد الرافدين من العصر السومري إلى العصر العباسي/د.عبد الأمير الحمداني/الهيئة العامة للآثار.
ابتدأت وقائع الجلسة العلمية الأولى بالورقة العلمية الأولى لــ د.فعال نعمة المالكي الموسومة(الأهوار في العراق...نظرة عامة) والتي حاول من خلالها إلقاء نظرة عن بيئة الأهوار الطبيعية من خلال تحديد مواقعها ومساحتها ومسمياتها وبيان أهميتها كما تطرق الباحث إلى أسباب تدهور بيئة الأهوار الطبيعية وصنفها إلى (عوامل داخلية)والمتمثلة في انعدام الاهتمام من قبل جميع الحكومات والوزارات المعنية منذ تشكيل الحكومة العراقية الحديثة بحماية الأهوار من التجاوزات والمخالفات البيئية المختلفة والعمل على تطويرها بل استمرت الإساءة والتدمير لها من خلال التجفيف وصرف الملوثات والمخلفات الصناعية مع مياه الأنهار فضلاً عن غياب التنسيق بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية فضلا عن شبهات الفساد المالي الذي صاحب المشاريع الخاصة بالأهوار بعد سقوط النظام المقبور وغياب التخطيط العلمي لإحيائها وتطويرها والحفاظ عليها.
أما ابرز التحديات التي تواجه الأهوار فقد صنفها الباحث إلى شحة المياه والجفاف ،غياب اتفاقيات تقاسم المياه مع الدول المجاورة، النوعية المتردية للمياه في نهري دجلة والفرات نتيجة الملوثات الصناعية والصرف الصحي، تسرب المياه المالحة لها من الخليج العربي وانعدام السياسات الفعالة من الحكومة المركزية والحكومات المحلية وغياب التنسيق بينهما لإدامة الأهوار والحفاظ عليها وتطويرها والنهوض بها.
أما الورقة الثانية في هذه الجلسة كانت ا.م.د. كاظم عبد الأمير محسن الزيدي والموسومة (أهوار جنوب العراق بين الاستدامة والتحديات).
أكد الباحث فيها أن الأهوار العراقية تمثل اكبر نظام بيئي للأراضي الرطبة(wet land )من نوعه في الشرق الأوسط وغربي آسيا فهي تتألف من مجموعة من بحيرات وأراضي مستنقعية متصلة مع بعضها ، في الجزء الأدنى من حوض دجلة والفرات ،امتدت تاريخيا على مساحة أكثر من 20000كم2 من العراق وإيران.
واستطرد قائلا إن الأهوار في جنوب العراق تمتلك تاريخا طويلا يمتد لأكثر من 5000 سنة ولها أهمية بيئية بالغة كونها:-
1- تشكل طريق لعبور الطيور المهاجرة ما بين القارات
   2- مستودع  ساند لاستمرارية مناطق صيد أسماك المياه العذبة حيث تشكل مفاقس وحضانة مثالية لأنواع الأسماك العذبة وحتى البحرية مثل البياح والروبيانات .
 3- تدعم النظام البيئي البحري والحياة البحرية في الخليج العربي.
  4- تقوم بحماية أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض بتوفير التغذية والملجأ والتكاثر لها.
 5- تعتبر مناطق الأهوار مصادر طبيعية للمياه عبر الحدود.
 6- تشكل تراثا إنسانيا لا مثيل له وقد كانت موطنا للسكان الأصليين منذ 5000 سنة (السومريين .أور. اريدو.لجش.) 
 7- تسهم الأهوار بالتخلص من الملوثات المائية من خلال ترسيبها وتمثيلها بدورات الحياة الطبيعية للمغذيات والكائنات النباتية والحيوانية بالشبكة الغذائية.
  8- أدى وجود الاحتياطات البترولية فيها والنزاعات العسكرية إلى وضعها أمام تحديات كبرى لإدامة نظامها البيئي واستغلال مواردها للنمو والتطور.
وخلص الباحث في نهاية ورقته إلى أن الجهود التي بذلت لإدراج الأهوار جنوب العراق على قائمة التراث العالمي فتحت آفاقا جديدة وواعدة لاستعادة الحياة لهذه الأهوار الجميلة في كل الميادين. وهو ما يتطلب رسم سياسة شاملة لتطوير المنطقة واستكمال البنية التحتية للاستفادة من هذا القرار في إعادة الأهوار وتطويرها وضمان استدامتها بشكل سليم.
أما الورقة الثالثة في هذه الجلسة فقد كانت ا.م.د.عبد علي الخفاف الموسومة(الخصائص الجغرافية العامة للأهوار الدائمية جنوب العراق )،حاول الباحث فيها استعراض أهم الخصائص الجغرافية والطبيعية للأهوار الدائمية والمتمثلة بالموقع الجغرافي والمساحة والامتداد وخصائص المناخ فيها والبيئة الحيوية وما تضمه من مجموعات نباتية متعددة ومتنوعة فضلاً عن المجموعات الحيوانية المتنوعة فيها،كما تناول الباحث موضوع السكان والحياة البشرية فيها من ناحية إعداد السكان على مدى الحقب الزمنية في تاريخ العراق الحديث وابرز النشاطات الاقتصادية لهم وابرز المتغيرات الاجتماعية التي أثرت في المجتمع الأهواري .
الباحث أيضا تطرق في ورقته إلى بعض الخصائص الاجتماعية لمجتمع الأهوار والمتمثل بنظام الأسرة ولا سيما الأسرة المركبة وتعدد الزوجات وطبيعة العلاقة المتكاملة التي تربط بين المرأة والرجل في هذا المجتمع.
أما ابرز النتائج التي خلص إليها الباحث في ورقته فهي:-
1.    الخصائص البيئية لمنطقة الأهوار الجنوبية تشير إلى كونها محمية طبيعية بفعل ضعف تأثير الإنسان فيها.
2.    المشهد المائي والحياة النباتية والحيوانية والحياة البشرية المتفردة تجعل من الأهوار منطقة جذب سياحي.

أما الورقة الأخيرة في هذه الجلسة كانت ل د.عبد الأمير الحمداني والموسومة(التراث الثقافي لأهوار بلاد الرافدين من العصر السومري إلى العصر العباسي).
أكد الباحث في ورقته أن بيئة الأهوار ساهمت ومنذ بواكير الحياة البشرية في صنع عناصر ومقومات الحضارة التي انتقلت من خلالها البشرية إلى العصور التاريخية مثلما تؤكد ذلك الشواهد الآثارية ففي الأهوار أقيمت أولى المدن المسورة مثل أوروك واريدو وأور ولكش وفي الأهوار اخترعت الكتابة لأول مرة في تاريخ العالم إيذانا بانطلاق تاريخ العالم المدون ومنها أيضا بدأت أنظمة الحكم والقوانين والشرائع والفنون والصناعة والري والزراعة والمعتقدات الدينية والآداب والموسيقى ولهذا فقد اختيرت لتكون ضمن لائحة التراث العالمي ليس لأنها مسطحات مائية عذبة وموطن لأصناف نادرة من الطيور والأسماك والنباتات،بل لان التراث الثقافي في الأهوار يمثل امتداد لثقافة عراقية قديمة بدرجات منذ الألف الخامس قبل الميلاد ولازالت مستمرة وتابع قائلا أن البيئات المتشابهة تنتج ثقافات متشابهة إلى حد ما لذلك فان ثقافة الأهوار الحالية وأنماط العيش فيها وتفاصيل حياة الناس اليومية تشبه تلك التي ابتدعها واستخدمها السومريون في الألفيات الرابعة والخامسة قبل الميلاد وما تلاها لاسيما تلك المتعلقة ببناء البيوت من القصب والمصاطب العائمة والثابتة من الطين والقصب وفي صناعة السفن ووسائط النقل والري والزراعة وكذلك الممارسات الاجتماعية والعادات  التي يرجع قسم كبير منها إلى أصول رافدينية قديمة.
وبعد انتهاء الباحثين من عرض أوراقهم العلمية في الساعة 11.45صباحا دعا السيد رئيس الجلسة الحضور إلى استراحة لمدة ربع ساعة يتم بعدها استئناف الجلسة الثانية من أعمال الندوة العلمية.
في الساعة12.00 ظهراً بدأت وقائع الجلسة العلمية الثانية للندوة ضمن محورها الاجتماعي برئاسة ا.د.لاهاي عبد الحسين من جامعة بغداد ومقررية الباحث فراس عبد الجبار من بيت الحكمة وقد تضمنت مناقشة أربعة أوراق علمية هي كالآتي:-
1.    الأهوار ودورها في إنتاج شخصية عراقية كونية قطبية/ا.د.متعب مناف جاسم/قسم الدراسات الاجتماعية/بيت الحكمة.
2.    معوقات تطوير بيئة الأهوار العراقية/ا.م.د.محمد حمود إبراهيم/جامعة ذي قار/كلية الآثار.
3.    القيم الاجتماعية بعد هجرة سكان الأهوار/د.عدي بجاي شبيب/قسم الاجتماع/كلية الآداب.
4.    تطوير السياحة في الأهوار وانعكاسه على الحياة الاقتصادية والاجتماعية/د.ماهر جبار الخليلي/كلية الإمام الكاظم-بغداد.
ابتدأ أ.د.متعب مناف جاسم وقائع الجلسة العلمية الثانية للندوة بالورقة البحثية الموسومة(الأهوار ودورها في إنتاج شخصية عراقية كونية قطبية) والتي أكد من خلالها أن بيئة الأهوار تمثل نمطا حياتيا له خصائصه التي تميزه عن غيره من أشكال العيش والتعايش في العراق((الحيوية الايكولوجية))بمظاهرها (المتبدية والمتريفة والمتحولة) وهذه الأنماط برأيه تشكو من قلق حياتي عدا النمط الأهواري الذي تجاوز كل ذلك بالمحافظة على نمط خاص من الحياة والثقافة فيه وبإجماع المختصين فهذه البيئة برأي الباحث جمعت بين التراث +الفكر+الحضارة والتي وصلت بالأخيرة إلى القمم العالية.
في نهاية ورقته أكد الباحث أن الأهوار بصيغتها الثقافية والتاريخية تشكل الحاضنة المناسبة لإعادة بناء الشخصية العراقية وان المحافظات وجامعاتها التي توجد فيها الأهوار تقع عليها مسؤولية الحفاظ عليها كمحمية طبيعية أنتج ماؤها الإنسان وحضارته.
وهي بذلك قد تتحول إلى منتجع سياحي عالمي يؤمه أهل العالم يتخفف فيها إنسان القرن الحادي والعشرين من همومه ويعاود العيش مع الطبيعة وفي الطبيعة وللطبيعة.
الورقة الثانية كانت لــ أ.م.د.محمد حمود إبراهيم الموسومة (معوقات تطوير بيئة الأهوار العراقية) وقد ناقش فيها الباحث مجموعة من المعوقات التي يرى أنها وقفت ولازالت تقف في طريق التغيير الحقيقي والشامل والذي يمكن أن يحدث بصورة مقصودة وفق برامج مدروسة هدفها الرئيسي الارتقاء بالإنسان إلى آفاق جديدة يعاد فيها بناءه الثقافي والاجتماعي وابرز هذه المعوقات تتمحور في جزئها الرئيسي في تقصير الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها عام 1921  المقصودة تارة وغير المقصودة تارة أخرى بحق بيئة الأهوار بجانبيها الطبيعي والاجتماعي واهم صور التقصير تتمثل بعدم شمول الأهوار بالبرامج والخطط الحكومية والتي يمكن أن تجسد كمشاريع تنموية للبشر وللطبيعة طوال تسعة عقود مضت وعجزها عن التصنيف الموضوعي للبنية السكانية لها فقد خلت مفردات التخطيط ومفاهيمه داخل العراق من مفردة اسمها(سكان الأهوار) فضلاً عن النظرة السلبية لها من قبل اغلب المخططين ورجال الدولة .أضاف الباحث أن قيام الدولة العراقية بإنشاء السدود لغرض حماية حقول النفط المحاذية للأهوار قد ساهم في زيادة مناسيب المياه إلى الحد الذي اضطر كثير من سكانها إلى مغادرتها على شكل هجرات إلى المدن فضلاً عن الآثار التي تركتها الحرب العراقية – الإيرانية وما نتج عنها من تهجير وتشريد مئات العوائل فقد خلقت هذه الحرب أزمة نازحين كبيرة تعرض فيها البناء الاجتماعي لسكان الأهوار إلى التصدع والانهيار في أحيان كثيرة فضلاً عن تلويث بيئة الأهوار بآلاف الأطنان من الألغام والصواريخ والقنابل غير المنفلقة والتي ظل الكثير منها وحتى اليوم يشكل مصدر موت أو إعاقة لهؤلاء السكان أو ملحقاتها من الأسلحة غير التقليدية فقد أحدثت بين سكان الأهوار إصابات سرطان بأنواعه المختلفة.
أشار الباحث إلى موضوع التلوث الذي تعرضت له بيئة الأهوار نتيجة الحروب ونتيجة سياسات إدارة الدولة في العراق للمياه من خلال إقامة السدود والخزانات عند نقطة التقاء دجلة والفرات فضلاً عن الممارسات الخاطئة التي يقوم بها الكثير من سكان الأهوار والمناطق المحاذية لها والمتمثلة بعمليات الصيد الجائر للأسماك والطيور من خلال استخدام السموم والصعق الكهربائي وقد أدت هذه العمليات الفجة إلى الأضرار بالنظام الحيوي للأهوار.
أخيراً تطرق الباحث إلى ابرز العوامل التي ساهمت في تكريس مأساة الأهوار(طبيعة ومجتمع) بعد عام 2003 والتي يمكن تلخيصها بالاتي:-
1.    الخطأ الكبير الذي وقعت به الدولة العراقية عندما صنفت الأهوار على أنها (ماء ونبات) والذي تم على أساسه إيكال مهمة تطوير الأهوار إلى وزارة الموارد المائية بالدرجة الأولى ووزارتي البيئة والأشغال والبلديات بالدرجة الثانية.
2.    غياب التخطيط المركزي وانعدام التنسيق بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية فيما يتعلق بملف إدارة الأهوار وتطويرها.
3.    غياب سيطرة الدولة ومراقبتها على المنح العالمية التي وزعت على الجهات الرسمية وغير الرسمية والتي استنفذت في اغلب الأحيان في برامج وخطط هامشية غير ذات معنى لتطوير الأهوار.

أما الباحث د.عدي بجاي شبيب فقد استهدف في ورقته المسومة (القيم الاجتماعية بعد هجرة سكان الأهوار) تسليط الضوء على مسالة القيم الاجتماعية لسكان الأهوار بعد الهجرة المعاكسة التي حصلت بعد عام 2003 بعدها أهم المتغيرات في عملية تطوير وتنظيم بيئة الأهوار وقد أظهرت نتائج الدراسة أن القيم الاجتماعية للأبناء تختلف وبشكل ملحوظ عن قيم الآباء نتيجة لعدة عوامل منها عامل التعليم والتفاعل الاجتماعي مع المجتمعات والجماعات الأخرى خارج مناطق الأهوار والتي أسهمت في اكتساب حرف ومهن جديدة لم تكن معروفة في بيئة الأهوار سابقا كما أظهرت نتائج الدراسة أن الشباب من سكان الأهوار في حالة تبلور واحتكاك مع القيم الإنسانية نتيجة ثورة الاتصالات وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي والتي أتاحت للأفراد التواصل مع مختلف الثقافات والجماعات في المجتمع الإنساني .
الورقة الأخيرة في الندوة كانت ل د.ماهر جبار الخليلي والموسومة(تطوير السياحة في الأهوار وانعكاسه على الحياة الاقتصادية والاجتماعية) أكد الباحث في بداية ورقته أن مجتمع الأهوار هو مجتمع متفرد بخصائص عديدة غير متوفرة في المناطق المناظرة المدعومة بمصادر طبيعية والتي تتمثل في طريقة الحياة التقليدية التي حافظت على طبيعتها منذ الآلاف السنين ابتداءً من بيوت القصب إلى الزوارق الخشبية(المشحوف)وغيرها من طرق النقل،إلى طرق إعداد الطعام وانتهاء بالعلاقات الأسرية وطبيعة اللهجة المحلية وهذا الواقع يتطلب من المختصين المخططين وصناع القرار من اجل النهوض بواقع هذه المناطق اقتصاديا واجتماعيا ورسم استراتيجية واضحة المعالم والأهداف تتضمن إعطاء الضمان والثقة للسكان والقيادات الاجتماعية فيها بعدم المس بالطابع المحلي والقيم الاجتماعية لضمان نجاح الخطط الموضوعة من خلال مشاركة السكان في اعدادها وتنفيذها والتخطيط لها.
وأضاف الباحث في ورقته أن تطوير قطاع السياحة مهم جداً لتغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي لسكان الأهوار نحو الأفضل وخلص الباحث في ورقته إلى أن تطوير قطاع السياحة يتطلب برامج تنموية تقع في مقدمتها تعليم أبناء تلك المناطق على السلوك السياحي وبناء البنى التحتية من فنادق ومطاعم ومقاهي بمواد بناء من منتجات الأهوار ووضع برامج لمهرجانات صيد الطيور والأسماك والغناء الريفي والفن التشكيلي والفلكلوري....الخ.
وهذا النشاط سيساهم في تقديم فرص عمل واسعة لأبناء الأهوار ، فضلاً عن ضرورة توفير الدعم الكامل للقطاع الخاص من اجل المساهمة الفاعلة وتذليل العقبات القانونية والإدارية أمامه وبشرط أساسي أن تكون هناك معايير للعمل وخريطة استثمارية واضحة الخطوط ومكشوفة الأهداف.
وبعد انتهاء الباحثين من عرض أوراقهم فتحت أبواب التعقيبات والمداخلات والمناقشات للسادة الحضور وقد أسهم ذلك في إغناء محاور الندوة وإثرائها .
وقد خرجت الندوة بمجموعة من المقترحات والتوصيات ندرج فيما يلي أهمها :-
1-    الالتزام بعدم البناء والتشييد داخل الأهوار لأية مباني بمواد الطابوق والجص والإسمنت والحديد والخشب وبناء ما يستلزم من مباني بجوار الأهوار من القصب والبردي والجولان فقط من أجل الإستمرار في المحافظة عليها كمحمية طبيعية .
2-    فرض غرامات بمبالغ كبيرة على الأشخاص الذين يقومون برمي أي مخلفات في مياه الأهوار كقناني المياه والمشروبات الغازية والأوساخ ...الخ , للحد من هذه العادات السلبية في المجتمع عن طريق تشريع قانون مناسب لذلك .
3-    التوصية بتأسيس فوج شرطة يسمى بــ( شرطة الأهوار ) من أبناء الأهوار تكون مهامهم :-
- حماية بيئة الأهوار من التلوث ومن استخدام أساليب الصيد الجائر باستخدام السموم والصعق الكهربائي للطيور والأسماك .
- حماية السائحين فضلاً عن عملهم كمرشد سياحي في ذات الوقت .
4-    على الجامعات العراقية المعنية ببيئة الأهوار لا سيما البصرة وميسان وذي قار أن تؤسس قسماً خاصاً ببيئة الأهوار يستهدف التأسيس لمعارف ومهارات ومعلومات تحفظ وتصون هذه البيئة .
5-    تشجيع المؤسسات والهيئات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في قطاعات التربية والتعليم والصحة والبيئة وحقوق الإنسان على إقامة دورات وورش عمل ميدانية لأجل تأهيل السكان في هذه المناطق ولتحقيق الإصحاح البيئي المتمثل بدرء خطر التلوث وتنظيم حملات توعية ثقافية في صفوف أبناء الأهوار تكون مهمتها عقد صداقة مع بيئة الأهوار والتأكيد على التصرف الصحيح لصيادي الأسماك والطيور وكذلك الأساليب الصحيحة لرعي الجاموس والأبقار وغيرها من الحيوانات .
6-    تشجيع عملية البحث العلمي في الأهوار , لا سيما الدراسات الاجتماعية والانثروبولوجية والديموغرافية والاقتصادية والتي تفتقر إليها بيئة الأهوار في العراق بصورة واضحة جداً .
7-    إبعاد ملف إدارة الأهوار عن كل أشكال المحاصصة الحزبية والعشائرية وإعتماد معيار الكفاءة والنزاهة كأساس لإدارته .
8-    الاستفادة من قرار اليونسكو ومعاهدة رامسار للضغط على تركيا وسوريا وإيران بإنجاز إتفاقية تقاسم المياه ومعها حصة الأهوار .
9-    تشجيع الاستثمار السياحي بالقرب من المواقع الأثرية قرب الأهوار وتشريع قانون يسهل الاستثمار ويتجاوز العقبات الحالية على أن يراعي معايير التراث العالمي وإنشاء البنى التحتية للسياحة ( كأن تكون جزرات صناعية داخل الأهوار وفيها مدن سياحية تشمل فنادق ومطاعم وكازينوهات ومدن ألعاب ممكن الإستفادة منها شتوياً ) , مع التوصية بإنشاء مدن سياحية على حافات الأهوار تشمل ذات المكونات وبنى تحتية للسفرات المائية داخل الأهوار تشمل ( زوارق بأحجام مختلفة + أدلاء سياحيين + خرائط للمالك المائية داخل الأهوار .
10-    التوصية بالعناية بمسألة التنظيف الدوري للأهوار والاستفادة القصوى من كل نقطة ماء موجودة فيها وعدم إهدارها وكل الموارد الأخرى , من خلال الاعتماد على التقنيات الحديثة والعمل مع شركات عالمية متخصصة وذات كفاءة .

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر