الفكر الإسلامي بين الواقعية التبريرية والمثالية الحالمة
2024-12-15
محاضرة علمية اقامها قسم الدراسات الاسلامية
الفكر الإسلامي بين الواقعية التبريرية والمثالية الحالمة
أقام قسم الدراسات الإسلامية في بيت الحكمة بالتعاون مع جامعة بغداد كلية التربية ابن رشد للعلوم الإنسانية ومعهد البحوث والدراسات الاستراتيجية – رئاسة أركان هيئة الحشد الشعبي المحاضرة العلمية الموسومة (الفكر الإسلامي بين الواقعية التبريرية والمثالية الحالمة) وذلك يوم الاحد الموافق 15/12/2024 م. في بيت الحكمة.
مقررة الجلسة: د. حنان علي حمودي / مركز المعلومات دعم القرار في بيت الحكمة.
المحاضر: أ. د. عامر عبد الأمير حاتم / جامعة بغداد /كلية التربية ابن رشد للعلوم الإنسانية.
ان الفكر الإسلامي يسعى الى تغيير المجتمع وإعادة بناء الامة الإسلامية فهل يقتضي هذا العمل من الفكر الإسلامي أن تتم مقارنته للواقع من خلال مفاهيم فلسفية؟
أن الفكر الإسلامي مازال الى يومنا هذا في بداية الطرح الفلسفي للقضايا. حيث إنه لم يتحرر بعد تحرراً كلياً من الطرح الجزئي (أي المنهج التحليلي التجزيئي) للقضايا لا شك أن رجال الإصلاح حاولوا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر أن يستوعبوا أسباب وعوامل تقدم الغرب وأن يكشفوا عن الوسائل التي تمكن العالم الإسلامي من اللحاق بالحضارة الغربية. غير أن الفكر الإسلامي في تلك المرحلة بقي فكراً دون مستوى التحديات بسبب غياب الأدوات الفلسفية. لقد أعطى رجال الإصلاح الثقة للشعوب الإسلامية عندما عرفوهم بتراثهم العريق لكن لا وجود وراء هذا الموقف العاطفي تجاه تاريخ الامة لأية رؤية اجتماعية وسياسية. فرجال الإصلاح وكثير من المفكرين المسلمين الى يومنا هذا لم يعيدوا صياغة الفكر الإسلامي حسب متطلبات العصر. لقد كان الفكر الإسلامي متمحوراً حول الفقه (فقه الفروع) وعلم الكلام، ولم ينفخ على الطرح الفلسفي للقضايا إلا ابتداء من السيد جمال الدين غير أن هذا الانفتاح على البعد الفلسفي كان محتشماً الفلسفية الواضحة والمكتملة إلا على يد السيد الشهيد محمد باقر الصدر.
إن الطرح الفلسفي للقضايا عند السيد محمد باقر الصدر هو طرح يعتمد على النقد في الأساس ، وهذا يختلف تماماً عن النزعة التوفيقية التي ابتلي بها أصحاب مدرسة ( الواقعية التبريرية ) الذي حاولوا التوفيق بين الماركسية والاسلام ، كما حاولوا أن يصيغوا فلسفة وجوديه عربية (عبد الرحمن بدوي ) وبين المثالية الحالمة التي يعتمد أصحابها على مفاهيم بعيدة عن الواقع ليصلوا من خلالها الى ( المدينة الفاضلة ) مثل ما نظر إليها ( ماركس ) عندما أراد أن يوصل المجتمع الاشتراكي إليها من خلال النظر الى غريزة (حب الذات ) أنها غريزة اكتسابيه وليست فطرية ، باعتقاده أنها جاءت من (الملكية الخاصة ) التي يتكئ عليها الفكر الرأسمالي ، فإذا تخلصنا من (الملكية الخاصة) استطعنا أن نخلف إنساناً يفكر بمجتمعه ولا يفكر بنفسه ، وبالتالي نصل الى (المدينة الفاضلة ) وقد أرغم المجتمع السوفيتي آنذاك على ذلك بالتهديد والقتل الجماعي لإيصاله الى هذه الغاية لكن نظريته هذه فشلت فشلاً ذريعاً ، لأنها وقفت بالضد من الطبيعة الإنسانية التي تعتبر غريزة حب الذات غريزة فطرية وليست غريزة اكتسابيه ، وبذلك فشل ماركس في مثالتيه الحالمة.
التوصيات
1 -لا يمكن الاعتماد في دراسة الفكر الإسلامي على الاتجاه المحدث الذي استخدم مفاهيم الفلسفة الغربية في دراسته للتراث ولتاريخ الأمة الاسلامية، كما يتجلى ذلك عند كل من (الجابري، وعبد الله العروي، وفؤاد زكريا، وعبد الرحمن بدوي)، فهؤلاء المفكرون لجأوا الى مذاهب الفلسفة الغربية والماركسية والوجود به في دراستهم للفلسفة الإسلامية، ودراستهم لتاريخ الأمة الثقافي والسياسي.
2 – التركيز والتأمل في فكر السيد محمد باقر الصدر، الذي صاغ الفكر الإسلامي صياغة فلسفية جديدة في أفق نقدي حسب متطلبات الشروط الجديدة للعقلانية، فالصدر كان واعياً بعمق بأنه لا يمكن اليوم استخدام مفاهيم مثل العقل والنقل والاجتهاد والانحطاط والتقدم والأمة والقومية خارج الإطار الفلسفي، فلا يمكن صياغة حلول للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأمة بدون اجتهاد مفلسف، ولا يمكن اتخاذ موقف نقدي من تيارات الفكر الغربي بدون فلسفة.
3 – إن دراسة فلسفة السيد محمد باقر الصدر ينبغي أن يتحدد موقعها خارج الصراع بين الواقعية والمثالية، فالغيب يتطلب البيان، أي يتطلب الدين الذي يساعد الإنسان في تطلعه نحو المطلق، وهذا التطلع لا ينفي العقل، لأن حجبه العقل ثابته شرعاً ولكنها حجبه لها حدودها في الميدان الميتافيزيقي. إن قوة عقلانية الفلسفة الصدرية تكمن في وعيها وعياً تعبدياً بنسبيها أمام إطلاقيه الدين.
4- إن سرّ عظمة فلسفة الصدر ترجع الى تبنيه المنهج الموضوعي في استنطاق الآيات القرآنية والروايات الشريفة، التي على ضوئه استطاع أن ينتج نظريات في مختلف مجالات الحياة، وذلك لأن المنهج الموضوعي يمتلك مفاتيح الربط بين مدلولات الآيات القرآنية والروايات الشريفة التي يفتقدها المنهج التحليلي التجزيئي.
5- التركيز على علم (أصول الفقه) فبفضل منهجية أصول الفقه وصل الفكر الإسلامي في مجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي عند السيد محمد باقر الصدر، الى مستوى صياغة المفاهيم كأساس ضروري للمذهب يسمح للفكر الإسلامي بطرح القضايا الاجتماعية والسياسية طرحاً كلياً لا جزئياً، فعملية التنظير الاجتماعي كانت معطلة من طرف فقه الفروع أو النزعة الفقهية التي تتناقص مع الرؤية الكلية للقضايا في الشريعة الإسلامية.







|