الأمن الفكري وأثره على التنمية المستدامة- المجتمع العراقي انموذجاً
2025-01-14
محاضرة علمية اقامها قسم الدراسات الاسلامية
الامن الفكري وأثره على التنمية المستدامة ... المجتمع العراقي انموذجاً
عقد قسم الدراسات الاسلامية والفلسفية و بالتعاون مع قسم علوم القرآن والتربية الإسلامية / كلية التربية ابن رشد للعلوم الإنسانية المحاضرة العلمية الموسومة بــ(الامن الفكري وأثره على التنمية المستدامة-المجتمع العراقي انموذجا) بتاريخ 14/1/2025 في الساعة العاشرة صباحاً على قاعة الدكتور محمود علي الداوود في بيت الحكمة ، والتي القتها المحاضرة أ.م.د.هيفاء محمد عبد بمعية المقرر أ.م.د. علي نهاد خليل .
استهلت الباحثة في بداية محاضرتها بالإشارة الى مفهوم الأمن الفكري بأنه " اطمئنان مجتمع الدولة إلى قدرته على التصدي للاتجاهات الفكرية التي من شأنها أن تؤثر سلباً على تصوره لمشكلاته ، ورؤية أسبابها وجذورها وصلبها و هوامشها وتناقضاتها الداخلية وعلاقتها التبادلية مع غيرها ، ومن ثم تقرير حلولها على وفق منهج صحيح رشيد مستقيم يراعي الواقع والمصالح الحقيقية للدولة ، وينسجم مع مبادئها وأصولها الثابتة الكبرى"
وكما يعرف الأمن الفكري بأنه "تأمين خلو أفكار وعقول أفراد المجتمع من كل فكر شائب و معتقد خاطئ، مما قد يشكل خطراً على نظام الدولة وأمنها، وبما يهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الحياة الاجتماعية، وذلك من خلال برامج وخطط الدولة التي تقوم على الارتقاء بالوعي العام لأبناء المجتمع "
الأمن الفكري بأنه " سلامة فكر الإنسان وعقله وفهمه من الانحراف والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه للأمور الدينية و السياسية وتصوره للكون بما يؤول به إلى الغلو والتنطع، أو إلى الإلحاد والعلمنة الشاملة "
ومن ثم تناولت الباحثة تعريف التنمية المستدامة بشكل عام بأنها تلبية احتياجات الحاضر من دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها ، ويعتمد هذا التعريف على تحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية.
كما تعرف الأمم المتحدة التنمية المستدامة بأنها التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي من دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها، وتركز على التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية.
ثم تناولت الباحثة مفهوم الأمن الفكري في الفكر الإسلامي والتي يختص بها الفرد المسلم والمجتمع الإسلامي بصفة خاصة والتي يمكن اجمالها بالآتي :
1- الأمن الفكري مفهوم ثقافي إسلامي يتضح من خلال رؤية الفرد المسلم لثقافته الإسلامية والتي تحتوي على عدد من المفردات التي تشمل الموروث الثقافي والصورة الذهنية عن الفرد المسلم ومجتمعه وهويته .
2- الأمن الفكري مفهوم سلوكي إسلامي يعبر عن سلوك الفرد المسلم و الذي يشمل اللغة ومستوى السلوك الحضاري الذي يعكس قيم الفرد المسلم وهي التي تشمل اللغة ونظرته إلى المرأة والبيئة الأسرية ونظرته إلى المجتمع والمجتمعات الأخرى، ومدى الالتزام بالدين والانتماء السياسي والتنظيم الاجتماعي ومدى مشاركته فيه.
٣الأمن الفكري مفهوم رمزي إسلامي يعكس المستوى الثقافي للفرد والمجتمع المسلم، إذ يشمل التقييم والاعتقادات ومقارنتها بغيرها من قيم واعتقادات المجتمعات الأخرى والتي يمكن اختزالها من خلال رؤية الفرد لقيمه الرمزية والتي تشمل العادات والتقاليد والأخلاق التي تنعكس من خلال نظرة العالم للفرد المسلم.
ثم تناولت الباحثة ابرز الإشكاليات المتعلقة بمفهوم الأمن الفكري لعل أبرزها :
1- ارتباط الأمن الفكري بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية للفرد والمجتمع، فاختلال الأمن الفكري سيؤدي بالضرورة إلى اختلال مقومات الفرد والمجتمع في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية و النفسية وأن هذا الاختلال هو نتاج أفكار خارجة عن الشريعة الإسلامية ومفاهيمها الأمنية.
2- إن الأضرار الناجمة عن اختلال الأمن الفكري هو أضرار تتعدى الإضرار بالفرد فقط، بل يمتد تأثيرها إلى جميع فئات المجتمع وفي جوانبه كافة .
3- إن الأضرار الناجمة عن اختلال الأمن الفكري ليس عملا فرديا فقط، وإنما قد يكون ناجما عن عمل جماعي يشمل الحضارات و الثقافات و المذاهب و الأديان المخالفة.
4- إن اختلال الأمن الفكري لا يمكن حصره في مفهوم أمني واحد،فالفكر أوسع من أن يحده زمان أو مكان والآتي يحتاج تحقيق أمنه إلى تحديد مناهجه و نطاقه لحمايته من الغزو الثقافي المتعدد الوسائل و الغايات
5- إن حماية الأمن الفكري لا يقتصر على فئة معينة من دون غيرها،وإنما هو مفهوم خاص للفرد يتولى مسؤولية حمايته ،ومفهوم شامل للأمن تتحمل مسؤولية حمايته الأمة بجميع فئاتها.
6- إن الأمن الفكري قد يتعرض للاختلال ليس فقط من أعداء الأمة،ولكنه قد يكون أيضا بأيدي بعض أبناء الأمة الذي قد يكون غير واضح مادياً .
ومن ثم تناولت الباحثة آثار انعدام الأمن الفكري نذكر منها :
1- الآثار الدينية:
إن للانحرافات الفكرية آثار خطيرة في الفكر والدين والأخـلاق، فالأفكار المنحرفة والمتطرفة ذات تأثير كبير على الطبقات غير المثقفة في المجتمع، فضلاً عن تناقضها مع الدين والأخلاق والفطرة التي فطر االله الناس عليها، ومن أخطر الفتن التي تقوض بنيان أية أمة مـن الأمم تلك الفتن التي تتخذ من الدين شعاراً لها وتتستر وراءه، فيكون هدفها في الظاهر نبيلاً بينما في الباطن تهدف إلى أغراض خفية سواء أكانت تلك الأغراض سياسية أو دينية أو غير ذلك، كما قـد تؤثر أقوال وأفعال المنحرفين في نفوس أفراد المجتمع وأفكارهم، ومن أهم تأثيرات الانحراف الفكـري الدينية إحداث صراعات دينية وفتنة طائفية داخل المجتمع بين مختلف طوائفه وطبقاته مما يـؤدي إلى العداوة وزيادة العنف وربما إلى حرب أهلية تؤدي إلى الإخلال بالتركيبة السكانية للمجتمع>
2- الآثار الاقتصادية :
أ- التأثير على التنمية الاقتصادية للدولة ومعدلات الإنتاج نتيجة تحويل النفقات التي كانت تـدفع مجالات تنموية اقتصادية إلى مجال الأمن لمقاومة الإرهاب ومكافحته، مما يؤثر على خطط التنمية الاقتصادية الحالية والمستقبلية.
ب- إضعاف مجالات الحركة التجارية داخلياً وخارجياً والاستثمارات المحلية نتيجة عدم الاسـتقرار الاقتصادي مما يؤثر على الاقتصاد القومي ومستوى الأسعار ومستوى الدخل الفردي وبالتالي حدوث التضخم وانهيار العملة المحلية .
3- الآثار الاجتماعية:
أ- التأثير المباشر على خطط التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى توفير الخدمات الضرورية للفرد من تعليم وغذاء وصحة ونحو ذلك لزيادة كفاءته الإنتاجية وتحقيق التوازن بين طبقـات المجتمـع، وعندما تسود الأعمال التخريبية في المجتمع فإنه يحدث تغيير في البنية الاجتماعية نتيجة التحول عن الصرف على هذه الخدمات .
ب- تهديد تماسك البنية الاجتماعية للمجتمع وتفككه وانحلال مبادئه .
ج- هجرة الكفاءات الوطنية، فبروز الإرهاب وانتشار العنف وما يؤديه مـن تغـيير في التنميـة الاقتصادية والاجتماعية للدولة وعدم الاستقرار والأمن لدى أفراد المجتمع ، يؤدي بالكفـاءات العلمية فيها إلى الهجرة إما للبحث عن الاستقرار أو للبحث عن العمل ومورد الرزق.
4- الآثار السياسية:
أ- النيل من سمعة الدولة وهيبتها أمام الرأي العام المحلي والخارجي مما يشكل ذلك فرصة مواتيـه لأعدائها لبث الدعاية المغرضة وترويج الشائعات التي تؤثر على سمعة الدولة ومكانتـها بـين الدول.
ب- إظهار الدولة أمام الرأي العام العالمي بصورة الدولة الضعيفة التي تعاني من التمـزق والفتنـة الطائفية
ت- النيل من الثقل السياسي للدولة سواء كان ذلك على المستوى الإقليمي أو المستوى الـدولي، وتثبيط جهود رجال السياسة فيها والحد من نشاطاتها الخارجية واتصالاتها الدولية
5- الآثار النفسية:
أ- نشوء التوترات وردود الأفعال حيال التكيف الاجتماعي المنعكسة على تصرفات الأشخاص مما يهدد بفقدان التماسك والتوازن وحدوث الانهيار الاجتماعي. –
ت- تهديد الاستقرار النفسي للأشخاص نتيجة القلق والاكتئاب مما يـنعكس علـى سـلوكهم وتعاملهم مع الآخرين، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف العلاقات بين أفراد المجتمع القائمة على الثقة والاطمئنان للغير.
6- الآثار الأمنية:
أ- انعدام الشعور بالأمن وعدم الطمأنينة والخوف عند ممارسة شؤون الحياة العادية نتيجة حالـة القلق الدائم الذي يعيشه الفرد .
ب- فقدان الثقة بالأجهزة الأمنية وما يعكسه ذلك من آثار تتطلب زيادة الحذر واتخاذ الحيطة، وربما أدى ذلك بفئة معينة من المواطنين إلى توظيف أجهزة حماية خاصة، الأمر الـذي يـؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية لدى الفئات الأخرى التي لا تستطيع حماية أنفسها، وبروز الـشائعات والاستماع إليها وتصديقها.
ت- زيادة عدد أفراد رجال الأمن والأجهزة مما يؤثر على نواح أخرى اقتصادية وأمنيـة، وهـدر الوقت الذي يمضيه رجال الأمن في تعقب المنحرفين ومقاومتهم وكان الأحرى استثماره في مجالات أخرى.
ثم تناولت الباحثة ابرز مراحل تحقيق الأمن الفكري
يتطلب تحقيق الأمن الفكري العمل على مراحل مختلفة هي الوقاية والمواجهة والعلاج , ولكل منها متطلباتها وإجراءاتها ومقومات نجاحها ,آخذين في الحسبان أن تقويم الفكر وتصحيح المعتقد يشكلان المرتكز لأي محاولة جادة لتحقيق الأمن الفكري وحمايته, وهي قضية كبيرة ومعقدة ومتشابكة مع كثير من الجوانب الدينية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.
المرحلة الأولى:
مرحلة الوقاية من الانحراف الفكري؛ وفي هذه المرحلة على الجهات المعنية اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لمنع حدوث الانحراف الفكري, والعمل في هذه المرحلة يكون عام وموجه إلى جميع أفراد المجتمع من دون استثناء وذلك من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية والمؤسسات التعليمية, على أن يكون ذلك وفقاً لخطط مدروسة بعناية تحدد فيها الغايات والأهداف من التعليم العام والجامعي فيما يخص الأمن الفكري, وتحشيد الطاقات البشرية من معلمين وإدارات وقيادات وخبراء تربويين لدراسة ما تمر به البلاد من تحديات وتداعيات في ظل العولمة وآثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية, وفي ضوء ما هو متوقع من تغيرات وظروف مستقبلية, ودورالمدارس و الجامعات هنا يظهر جلياً من خلال مناهجها ومقرراتها وأنشطتها وأدوار أعضاء هيئة التدريس في وقاية الطلاب من الانحراف الفكري وتدعيم أمنهم الفكري.
المرحلة الثانية:
مرحلة المناقشة والحوار، فقد لا تنجح جهود الوقاية ضد الأفكار المنحرفة من الوصول إلى بعض الشباب وخاصة الجامعي منهم سواء أكان مصدر هذه الأفكار داخليًا أو خارجيًا, ثم لا تلبث هذه الأفكار أن تنتشر وتستقطب المزيد من الشباب, وتتوقف درجة انتشارها على مدى يقظة المسؤولين عن التعليم الجامعي بأهداف وغايات هذه الأفكار والتيارات, وذلك يستدعي تدخل أصحاب الفكر والرأي من المفكرين والباحثين للتصدي لهذه الأفكار ، ودحض مزاعمهم بالحجج والبراهين من خلال الحوار والمناقشة.
هذه المرحلة من أهم مراحل تحقيق الأمن الفكري ومتطلباتها خصوصًا وأن هذه المواجهة الفكرية تستدعي مواجهة الفكر بالفكر عن طريق الحوار والنقاش القائم على بيان الأدلة والبراهين الصادقة والمؤثرة لترسيخ القناعات بما هو سليم من المعتقدات والأفكار وتوضيح خطورة الأفكار المنحرفة على الفرد والمجتمع.
المرحلة الثالثة:
مرحلة التقييم والعلاج و العمل في هذه المرحلة يبدأ بتقييم الفكر المنحرف ,وتقدير مدى خطورته بوصف ذلك نتيجة حتمية للحوار والمناقشة, ثم ينتقل العمل إلى مستوى آخر هو تقويم هذا الفكر وتصحيحه, ودور المؤسسات التربوية ومنها الجامعة يحتل مكانًا بارزًا في هذه المرحلة بمفكريها وأساتذتها بالحوار والمناقشة وتحليل ما يحمله هؤلاء من أفكار منحرفة, وتقييم مخاطرها وما قد يترتب من أعمال إجرامية.
التوصيات
1-.نظراً لأهمية العملية التعليمية في تجسيد الأمن الفكري فانه لابد من تضمين المناهج في جميع المراحل الدراسية الأسس التربوية التي تعزز القيم الأخلاقية والتربوية .لذا ينبغي تفعيل دور المؤسسات التربوية والتعليمية في تحقيقه بوصفه من اهم متطلبات تحقيق الامن الوطني والمحافظة عليه.
2-تشديد التيقظ الحكومي على مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي ، وذلك بمنع الفضائيات المشبوهة وما تبثه من أفكار ضالة ومنحرفة والتي تشتت هوية المواطن وتحارب قدسية الانتماء.
3-ضرورة عمل ندوات ومحاضرات دورية تسلط الضوء على الامن الفكري .
4-إصدار اللوائح والأنظمة والقوانين التي تسهم في تحقيق الأمن الفكري.
5- بيان مفهوم الامن الفكري في الفكر الغربي والإسلامي.
6- بيان اثار اختلال الامن الفكري لان اضراره شاملة لكل الافراد.
7-التأكيد على تعزيز القيم الدينية والثقافية والحفاظ على الهوية الوطنية.
8- تعزيز الحوار الديني والقضاء على التطرف والعنف المذهبي.
9- التأكيد على اشاعة روح التسامح والقضاء على الارهاب الفكري.


|