تفاصيل الخبر
خطاب التأصيل لمسرح الاهوار العائم ومسرح الشارع في العراق
2023-03-09
أقام قسم الدراسات اللغوية والترجمية في بيت الحكمة جلسة حوارية بعنوان (مسرح الاهوار العائم ومسرح الشارع في العراق حوارات في الخطاب التأصيلي)، يوم الخميس الموافق (9/3/2023) في قاعة الندوات في بيت الحكمة.
ترأس الجلسة د. جبار خمّاط محاورا الكاتب والمخرج المسرحي عبد الجبار حسن؛ إذ أشار الدكتور جبار خمّاط إلى أنَّ هذه الجلسة هي تأكيد لريادة وحضور وابداعية الفنان عبد الجبار حسن وانفراده بتجربة مسرح الاهوار ومسرح الشارع وان هناك ظلم أما متعمد او موضوعي تجاه هذه التجربة ومؤسسها.
استُهِلَّت الجلسة بعرض فيلم يستعرض تجربة الفنان المسرحية الجديدة في الاهوار واشادات فنانين واعلاميين بالفنان منهم الفنان الرائد طه سالم والدكتور فاضل خليل. بعد ذلك بدأ الفنان بالتحدث عن بداياته في مسرح الاهوار منذ عام 1973والتحديات والصعوبات التي واجهها في تلك الناطق وما هية ذلك المسرح العائم من حيث انه مسرح الفضاءات المفتوحة، مسرح الناس البسطاء والمسحوقين من الفلاحين وابنائهم؛ مما استوجب الصبر والمعاناة لخلق مسرح شعبي واضح في طروحاته وافكاره ومقوماته، مسرح مباشر ومتفاعل في انموذجية الفكر البناء.
وقد أغْنِيَتْ الجلسة بمداخلات تنوعت ما بين اسئلة طرحت على الفنان وإشادات بتجربته، منها سؤاله عن وقت تقديم المسرحيات مساء ام نهارا؟ فأجاب بانهم كانوا يستخدمون اضاءة بدائية بسيطة.
ومن ضمن الإشادات التي تلقاها الفنان كيفية استثماره أدوات الطبيعة في تأسيسه هذا المسرح على الرغم من صعوبة الظروف المحيطة؛ إذ وُصِفَتْ التجربة بأنها تجربة غنية في مجال المسرح وينبغي التسويق لها، فضلا عن أنها دعوة للباحثين لتأسيس مصطلح المسرح العائم الذي ابتدعه عبد الجبار حسن.
المسرح العائم : تجربة مسرحية عراقية وعربية نادرة ورائدة
* اهوار الكحلاء ـ قرية العبرة ـ ميسان بين عامي 1973 ـ 1978 هو تاريخ تعييني معلماً في مدرسة الخليل الابتدائية المختلطة , وانا امام الوفاء برسالتين مهمتين , التعليم , ورسالة الفن كفنان , فكانت المواجهة الصعبة امام مجتمع في قرية نائية موبوئة يحيط بها شب الفقر والمرض والأمية , فكان علي ان انحت في الصخر كما وصفني د. فاضل خليل في مقدمته لكتابي القصب المضيء . * تجارب
* فكان المسرح العائم , هو مسرح الفضاءات المفتوحة , مسرح الناس البسطاء والمسحوقين من الفلاحين وابنائهم , من زراع الرز النادر في ارض الله الواسعة , فتبلور ووضح تدريجياً وخطوة بعد اخرى , وكم هائل من الصبر والمعاناة , لخلق مسرح شعبي واضح في طروحاته وافكاره ومقوماته , مسرح مباشر ومتفاعل في انموذجية الفكر البناء .
* وقبل الحديث عنه والخوض فيه كتجربة مسرحية عربية عراقية جديدة , لا بد لنا من أن نعود الى الوراء , الى القرن الثامن عشر الى البدايات الشعبية الرصينة والى الخطوات الاولى والتجارب المختلفة التي أرست دعائم نهضة مسرحية وثقافية شاملة . منذ عام 1761 وعروض مسرح الشارع في الاسكندرية بمصر تلعب دوراً مهماً في جذب جمهور الاسكندرية من المشاهدين اليه , لما لهذا النوع من المسرح من دور في كسر الحواجز المادية والنفسية لدى المتلقين واحداث حالة من التقارب والتفاعل بين الممثل والجمهور , فمن مسرح الشارع الى مسرح البساط والذي عرض في المغرب منذ زمن بعيد جداً حيث قدم اول حفل منه امام السلطان محمد بن عبد الله في القرن الثامن عشر وكان الملوك يحيطون بـ ( المبسطين ) اي فناني البساط بحفاوة كبرى ويفتحون لهم ابواب قصورهم العامرة .
* تجارب كثيرة هنا وهناك من ارض واقعنا العربي , حتى ظهور المسرح العربي المكتوب في اواخر القرن التاسع عشر كان العرب يمارسون المسرح دون ان يعرفوا انه مسرح , وهكذا وبمرور الزمن صار المسرح كياناً بل وجزءاً من الانسان , يشبع رغباته الثقافية والانسانية والتعبيرية الى ان وصل اليه في زمننا الحاضر . فمنذ منهجيته في تطبيق تفاصيل عمليات الطقوس الدينية عبر مراحل الزمن المختلفة مروراً بأحتفاليات الشعوب الفطرية حتى طرائق الفن التعبيري البدائي فان المساحة الفنية تتواصل في عطائها مع مختلف مناحي الحياة بشكل عفوي وتفصيلي ... وبعد تطور الحياة بتفاصيلها الجديدة ظهرت طريقة ـ ستانسلافسكي ـ الروسي والصور البريشتية ـ مسرح ـ سومرست موم ـ الامريكي وغيرها من الاتجاهات الحديثة في المسرح , كل ذلك تأتي نتيحة وجود مؤثرات فكرية وحضارية سبقت هذا التاريخ منها منهج المدرسة الشكسبيرية والموليرية وحكايات ـ كليلة ودمنة ـ والزير سالم واساطير ابو زيد الهلالي ـ كل ذلك اوصلنا الى خطوات جديدة اكثر فاعلية من المنهج الابداعي المعاصر . كما ان لظهور مدارس التجريب الحديث والمختبرات المسرحية سبباً كافياً لانطلاقة بعض التجارب المسرحية البسيطة والتي لم يكتب لها دوام المواصلة من ذلك .
(( تجربة الفنان الرائد سامي عبد الحميد ـ في عرض مسرحية ـ جلجامش في اثار بابل ومدرجها العريق )) وقد حضر العروض وقدمه طلبة اكاديمية الفنون الجميلة آنذاك ـ قسم المسرح وجمهور قليل من السواح في ذلك المكان ولم يكن هناك جمهور حقيقي حاضراً من تلك المناطق لمشاهدة العرض . وكانت بحق تجربة رائعة نقلت العرض المسرحي من الصالات المغلقة الى فضاءات رحبة وعوالم مفتوحة مناخياً وجغرافياً . ثم جاءت تجربة الدكتور ـ سعدي يونس ـ مسرح المقهى او مسرح الشارع ـ وهي تجربة جديدة ذات أبعاد وقيم انسانية رائعة استطاع من خلال تلك العروض ان ينقل الافكار والتطلعات الى شريحة اجتماعية متباينة المستويات الفكرية والثقافية لم تألف هذا النوع من العروض المباشرة والمفتوحة , فكانت خشبة المسرح هي باحة المقهى باضوائها الطبيعية ومؤثرات روادها الطبيعية وهي مجموع العناصر المؤلفة لموضوع العرض المسرحي الشعبي الناجح .
* اما بخصوص تجربتي الموسومة باسم ـ المسرح العائم ـ والتي سميتها نسبة للبيئة الطبيعية بيئة الاهوار والمستنقعات في جنوبي العراق ( مدينة الحكلاء ـ محافظة ميسان ) نظراً لوجود مساحة العرض المسرحي بالنسبة للممثلين وجمهور المشاهدين والمؤلفة من اعواد القصب والبردي المصفوفة عبر أزمنة قديمة في الماء الى ان اصبحت مساحة من الارض يرتكز عليها الانسان في حركة سكناه وصيده . والشيء في تجربتي رغم صعوبة البيئة التي نفذت التجربة فيها ورغم بذلي لجهود شخصية كبيرة ومتفردة جعلت سكان المنطقة الذين هم من الفلاحين وصيادي الاسماك يتهيأون نفسياً وذهنياً لاستقبال شيء جديد اسمه ( فن المسرح والتمثيل اذ لم يسبق لاهل المنطقة النائية هذه والمسماة بـ قريه العبرة ان شاهدو امثل تلك العروض المسرحية لهذا جاء انتباه الناس وحبهن للفكرة واستيعابهم الملحوظ فقد ظهر ذلك واضحا و بشكل كبير علامات تبشر بولادة خطوة اولى لبناء حركة ثقافية واعدة في هذه المنطقة النائية , رغم ان اغلب الممثلين في التجربة اميون لا يعرفون القراءة ولا الكتابة , وكانوا يحفظون ادوارهم عن لساني بطريقة ( السماع ) او التركيز فكم من وقت وجهد يحتاجه الممثل الواحد وهم اكثر ؟ وقد تطلب كل ذلك مني ان ابذل جهوداً استثنائية كلسب ودهم اولاً ولاقناعهم بقبول الفكرة والمشروع المسرحي الجديد , فاستطعت ان انفذ تدريجياً الى نفوسهم وقلوبهم ازورهم في بيوتهم البسيطة , نجلس على الارض ونأكل طعاماً بسيطاً , اشاركهم افراحهم واتراحهم , حتى تم كسبهم خطوة بعد اخرى حتى جاء اليوم الذي اثارت في نفوسكم الشوق والاستعداد للمشاركة القادمة , فقمت بمشاركة ابنائهم من تلاميذ مدرسة ـ الخليل ـ الريفية والتي عينت فيها معلما , في عملين مسرحيين كوميديين يجسدان طبيعة حياتهم في الاهوار ومعاناتهم واحلامهم وكان ذلك مكسبا له صداه الواضح حيث تمكنا من الحصول على مساحة ارض تقدر باكثر من دونم قمنا بتسويرها وحمايتها بالقصب والبردي وبناء مسرح من بقايا الرحلات القديمة واللوحات الخشبية ( السبورة ) والطين والقصب والبردي وتم خط يافطة على الباب تحمل اسم ( مسرح العبرة الفلاحي ـ 1973 ) .
* واستمرت التجربة بتطوراتها المستجدة واللاحقة والعرضية ـ خمسة سنوات بين عامي 1973 ـ 1978 فكنا ننتقل جميعاً بين القرى لتقديم عروضنا المسرحية وبواسطة ـ الزوارق المائية البدائية ـ وكان جمهور الفلاحين واطفالهم وعوائلهم تحيط بمسرحنا بشكل دائري كما يحيط السوار بالمعصم .
* وابرز ما حدث في تلك المرحلة هو قرارنا الشجاع ينقل عرض مسرحين ( سدرة وصريفة وبلام ) الى مسرح المدينة وهي ظاهرة لم تحدث في كل تاريخ المسرح العراقي وكان ذلك في 1/5/1974 وعلى مسرح قاعة التربية في مركز المدينة ـ العمارة تم عرض المسرحية ونالت اعجاب واندهاش ونالت التجربة مساحات واسعة بكل وسائل الاعلام العراقية حتى قدم الدكتور صباح جابر ـ طالب معهد الفنون الجميلة ـ قسم السينما أنذاك تجربتنا كاطروحة لتخرجه وباشراف الفنان الراحل الاستاذ ـ كوركيس يوسف وتم فعلاً تصوير الفيلم الذي حمل عنوان ـ ولادة جديدة وفي مواقع التجربة الاصلية الهور وجمهوره الطيب الوفي وقد حضرت عرض الفيلم في مهرجان التخرج من المعهد في 1/6/1974 ونال رضى واعجاب ممن حضر ذلك الحفل . وقد توقفت التجربة بعد انتقالي الى مركز الميدنة لكنها وللان تبقى بحق وعلى لسان كل من وصفها وحلل ابعادها الفكرية والانسانية تجربة عربية وعراقية لم يسبق لها مثيل . كما وتبقى تجربة فريدة من نوعها ورائعة بكل صبرها وتعبها ومعاناتها انا وبلك من معي من ابناء الاهوار .
* كما وشاركت تجربتي في مهرجان الفنون المسرحية والسينمائية الاول المقام في قاعة دار الحكمة عام 1982 والتي اشرفت عليه نقابة الفنانين العراقيين كما واقيمت لها ندوات ثقافية في الاردن بعدة لقاءات معي منها ( الاحد الثقافي ) عام 2000 ـ جمعية التهاب السحايا باشراف الفنانة الفلسطينية التشكيلية سناء المصري . اضافة الى مشاركتي للتجربة من خلال مؤتمر المسرح في التعليم ـ الاردن ـ آب عام 2000 وبمشاركة ( 23 ) دولة عربية واجنبية واستطعت من خلال ورش مسرح المهرجان مع العرب والاجانب ان اوضح مكانة واهمية التجربة حتى تميزت انا واثنين من الاجانب الفيتنامي والبوسني على اعتبار تجاربنا المسرحية في الاهوار ـ وغابات فيتنام ابان الحرب والعدوان الامريكي ومسرح الشارع في البوسنه ضد سلوبودان الحاكم انذاك .. واعتبرها رئيس المهرجان الانكليزي ـ جيف جلهام ـ محاور للمؤتمر القادم لكن وفاة ( جيف ) حال دون تحقيق الحلم المنشود بالانتشار عالمياً . وتبقى هذه التجربة ذات الابعاد الفنية والانسانية والفكرية تحظى للان باهتمام الباحثين والاكاديمين ممن سمع بها وقرأ عنها رغم انها تحتاج الى التنظير والتطوير والبحث الاكاديمي الرصين وسأحقق لها ذلك .
* كما وقد قارن الفنان القدير محسن العزاوي بين تجربتي وتجربة استاذه في ( جيكوسلوفاكيا ) السابقة اثناء دراسته للمسرح هناك وقد عمل معه ويسمى ( diradlo naprona ) ( ديرادلو نابرونا ) اي مسرح يطلق على الدوبة التي تسحبها ماكنة ( ماطور ) تتنقل بين قرى واخرى نهر ( فالتافيا ) فيجتمع الناس على ضفاف النهر ليشاهدوا عروض مسرحية تنال استحسان جمهور القرى وقد عمل العزاوي في تلك التجربة لاحقاً وهي تجربة اقيمت بعد ان حطمت ودمرت الحرب العالمية الثانية صروح العلم والثقافة في اوربا . ويكمل العزاوي قائلاً وبعد ان قدم ( عبد الجبار حسن ) تجربته عام 1973 بعشر سنوات قدم المخرج المصري ( فهمي الخولي ) مسرحية ( سالومي ) من بطولة الممثلة رغده , كنموذج مسرح جمهوره نزلاء الفنادق السياحية والمسرح في نهر النيل ولم يكن هناك ترابط بين العرض والجمهور ففشلت التجربة . ثم قام الفنان المسرحي ( سنان العزاوي ) باخراج عرض مسرحي على سطح باخرة مضطراً عام ( 2000 ) لكن تبقى كل تلك التجارب محدودة بالجغرافية التالية ( يجلس المتفرج ام على جرف النهر او على ظهر باخرة ) ويظل منظور المسرح للامام والمتفرجون كما وانهم قاعدون على المسرح اعتيادي ومألوف .
* ويكمل العزاوي حديثه : لكن تجربة عبد الجبار حسن ككاتب ومخرج وممثل وشاعر والمحصورة بين عامي ( 1973 ـ 1978 ) اهوار الكحلاء وفي قرية العبرة وما جاورها من التجارب النادرة في الفضاء الخارجي ومسرح الشارع حيث كانت تقوم على العرض في بقعة مسرحية جافة عائمة وسط الماء حيث بيوت القصب والبردي التي تشكل هي نفسها ينوغرافيا العرض المسرحي المقدم والانارة فيها مصادرها الطبيعية . وما تيسر من مصادرها الضوء البسيطة لها . بينما المشاهدون من اهل القرى يجلسون داخل قواربهم المختلفة الاحجام غير مصدقين لما يحدث ليشكل كل زورق كتلة عائلية بمفردها وهكذا تجتمع الزوارق بشكل دائري حول بقعة المسرح تراقب بانسجام وترقباً وذهول تام بتجمع جمهور غير متفق عليه وبمؤثرات الطبيعية من طيور وحيوانات وغناء شجي يصل من بعيد يثير في النفوس الارتياح .
* وباستعراض ما قدم من تجارب تظل تجربة الفنان ( عبد الجبار حسن ) هي الجريئة والغريبة بعض الشيء والمبتكرة , ويظل مصطلح مسرح الهور ( المسرح العائم ) مقترناً به دون غيره من الفنانين المسرحيين في العراق والوطن العربي .
* صدى التجربة في الاعلام العراقي والعربي .
* وقد تحدث عن هذه التجربة منذ انبقاقها ولحد الان كبار الاعلاميين المعنيين بالنقد المسرحي ومنهم الاعلامي والكاتب الراحل عادل عبد الجبار والناقد علي مزاحم عباس والناقد حسب الله يحيى والاعلامي فؤاد العبودي وانعام كجه جي وفريال مروكي والأعلامي زيد الحلي ومحمد مزيد وحامد الياسري والباحث جبار عبد الله الجويبراوي وغيرهم ، كما و طرحت التجربة في ندوات في الاردن في جمعية الفنانة التشكيلية الفلسطينية سهام المصري وكثيرا من اللقاءات التلفزيونية والتقارير والوثائق
المزيد من الاخبار